للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[البحث العلمي أصوله وآدابه]

للدكتور محمد مأمون عبد السلام

(بقية ما نشر في العدد الماضي)

٢ - قوة الملاحظة والقدرة على الاستنتاج

من الصفات اللازمة لنجاح البحاث في عمله أن يرى بعينه وبصيرته مالا يراه معظم الناس. فالشخص العادي إن أعطيته زهرة نبات لا يلاحظ فيها سوى لونها وحجمها ورائحتها. أما المدقق القوي الملاحظة فإنه يرى فيها ما يشغل فكره ويحير لبه. فإن ما رآه داروين وباستير وغيرهم من فطاحل العلماء قد مر بلا شك على نظر الملايين من الخلق قبلهم من غير أن يلاحظوه.

ولما كانت روح التنقيب والاستقصاء وحب الاستطلاع غريزية وقوية جداً في الأطفال وجب تشجيعها فيهم وذلك بأن يترك لهم المجال للاعتماد على أنفسهم في حل ما يعترضهم من المسائل فلا يتعدى ما يقدمه إليهم كبارهم الإرشاد في كيفية استخدام عقولهم وتدريبها في العمل على كشف أسرار ما يصادفونه من المعميات والصعاب.

على هذه النظرية بنى التعليم الحديث. فالأمم الحديثة الراقية تدرب صغارها لتصبح عقولهم مرنة غير جامدة، وعيونهم يقظة قوية الملاحظة، وأذهانهم وقادة سريعة الاستنتاج فيستخلصون النتائج بدقة وإمعان، فإذا التحق بعد أحدهم بعد إتمام دراسته بعمل ما أو بمعهد من معاهد البحث كان مدرباً من يوم نشأته على الاعتماد على نفسه في معرفة ما يستلزمه عمله أو بحثه من الشروط غير مستعين برئيسه إلا للاستفادة برأيه والاسترشاد بخبرته في حل المعضلات العويصة

فالتعليم التلقيني وهو الذي يلقن فيه الطالب العلم من أفواه المدرسين وصفحات الكتب دون التدرب على الاعتماد على النفس وقوة الملاحظة والاستنتاج وما يتبعهما من تشغيل الذهن؛ هذا التعليم نتيجته تخريج شبان ضيقي العقل جامدي الفكر قليلي الاعتماد على أنفسهم في حل ما يصادفهم من العقبات، فتراهم في عملهم حيارى لا يعرفون أين يتجهون فيكثرون من إلقاء الأسئلة على رؤسائهم لمناسبة ولغير مناسبة، وتجدهم ضعيفي الملاحظة والمشاهدة

<<  <  ج:
ص:  >  >>