هذا كتاب كان من الواجب أن يكتب من يوم أن تيقظ فينا الوعي القومي، ونهضنا ننشد حريتنا المسلوبة وكرامتنا المثلومة ونطلب لنا مكانة لائقة بين أمم العالم، وكان من الواجب أن يُكتب ذلك الكتاب بتلك الروح الحارة الدافقة التي تجلت في أسلوب مؤلفه الفاضل الأستاذ محمود الخفيف، وفي قوة عرضه للمواقف التاريخية التي اقترنت بسيرة ذلك الزعيم الوطني العظيم، وصارت من شواهد التاريخ المصري في أظهر وأحرج مرحلة من مراحله الحاسمة، ثم ما تخلف وراء ذلك من نتائج وآثار لا تزال مظاهرها ماثلة للعيان. . .
ذلك لأن التاريخ - حتى في عصور الإنسانية المظلمة - لم يعرف زعيما مثل أحمد عرابي اصطلحت قوى الشر وتعاونت المآرب المتهمة على تشويه سيرته وتسوئ سمعته وتسفيه آرائه، فقد حاول الإنجليز جاهدين، وحاول صنائعهم وأحلافهم من الكتاب والصحفيين المأجورين أن يحطموا كيان هذا الزعيم تحطيما، وأن يشوهوا مقاصده تشويهاً، وأن يقلبوا الحق في أغراضه الوطنية الشريفة إلى ما يروق لهم من باطل مزور، ثم اتخذوا من الحكم عليه في ذلك دليلا في الحكم على سائر المصريين حتى استطاعوا في جرأة ووقاحة أن يلفقوا على التاريخ المصري تلك الفرية الشنيعة، وهي أن عرابياً كان خائناً لوطنه، وأنه كان السبب المباشر في ذلك الاستعمار الذي ضرب على مصر طوال تلك السنين، وأن المصريين ليسوا بأهل لأن ينالوا الحرية وأن يحكموا أنفسهم بأنفسهم، وهي القالة التي لا يزال الاستعمار يرددها على سمع العالم إلى اليوم!!
وإن من المؤلم حقاً أن هذه الفرية صارت هي (الحقيقة) التي تلقن لأبناء المصريين في مدارس المصريين، وما تزال سيرة عرابي ومقاصده ومواقف الثورة العرابية عامة تدرس