لعلنا أعظم الأمم ميراثا من الذكريات ولعلنا كذلك أقل الأمم نصيبا من هذا الميراث العظيم.
ما تمر بالمسلمين أيام حتى تساق إليهم ذكرى ينحني لها تاريخ الإنسان، وفي سياق هذه الذكرى تسمع الرأي الثاقب، والقول المهذب، والشرح والتحليل؛ ثم تنطوي تلك الصفحة، ولا يذكر الناس إلا أن شاعراً أرّق من شاعر، وكاتباً أبين من كاتب، وخطيباً أفصح من خطيب!!
وما أسرع ما تستيقظ المشاعر وينتبه الرأي ويثور الوجدان! ولكن شيئا واحدا لا يستيقظ، ولا ينتبه، ولا يثور، وهو الروح. . . والروح وحده مصدر الحياة ومصدر القوة ومصدر العزم ومصدر الاحتمال. . .
وليس بشيء أن تنتبه المشاعر، وتنفطر القلوب؛ فحسب المشاعر لتنتبه، وحسب القلوب لتنفطر، كلمة باكية من ممثل موهوب. وليس بشيء أن يستيقظ الرأي، ويثوب التفكير، فما من أحد من المسلمين لا يعلم علماً لاشك فيه كيف كان المسلمون، وإلام صاروا، وما الذي أخافهم بعد أمن، وبددهم بعد التئام. . .
ما من رجل تراه إلا يعيب الخطيئة بلسان طلق وأسلوب مبين، ثم يجترح الخطيئة بقوة جامحة وهوى مبيح
نحن إذن لا نشكو ضعف الرأي ولا هوان الشعور، ولكننا نشكو خمود الروح وضعف الروح
ومن خمود الروح أن نرى الحق يثقل على الناطق به، والمستمع له، فلا ترى لرسالة الحق من وليّ ولا نصير
ومن خمود الروح أن نبدأ العمل بقوة صاخبة، ثم ما يزال يذوي ويتساقط ويتبدد ذووه حتى ينقضي أثره ويصير خبره حديث السامرين، وسخرية الشامتين
ومن خمود الروح أن نأخذ الهين التافه والغث المبتذل من ألوان المدنية، ونترك القيّم المكين الذي يحتاج إلى جهد وإيثار، حتى أصبحت حياتنا مجموعة من المناظر والصور والأشكال