للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من مغموري العلماء]

للأستاذ محمد كرد علي بك

علي ابن ربن

في المؤلفين من لم نعرفهم إلا بصفحات قليلة مما أبقت عليه الأيام من ألوف صفحات كتبوها، ومنهم علي بن ربَّن الطبيب الفيلسوف المتفرد بالطبيعيات. نشأ هذا العظيم في طبرستان؛ يتصرف في خدمة ولاتها، وكتب للمازيار بن قارن، ووقعت فتنة في بلاده فخرج إلى الري، وهناك قرأ عليه محمد بن زكريا الرازي الحكيم المشهور، واستفاد منه علماً كثيراً. ثم رحل ابن ربَّن إلى العراق فبان فضله، وأسلم على يد المعتصم؛ فقربه، وظهر بالحضرة فضله، وصار من أطباء البيت العباسي، وأدخله المتوكل على الله في جملة ندمائه. وقالوا إنه كان بموضع من الأدب.

ألف ابن ربَّن كثيراً في الطب والصحة، وأهم كتبه على ما يظهر كتاب فردوس الحكمة، وهو معْلمة (انسيكلوبيذيا) طبية عامة أنجزه في بغداد. وهناك أخذ عنه حنين بن إسحق. وله كتاب في الآداب والأمثال على مذاهب الفرس والروم والعرب. وعرفنا ابن ربن من كتاب له صغير أسماه: (الدين والدولة) أثبت فيه نبوة الرسول (ص) إثبات عالم عارف بالأديان الأخرى، ولاسيما اليهودية والنصرانية. وكتابه هذا يدل على اضطلاعه بالحكمة، وأنه ما انتحل الإسلام إلا عن بصيرة. وقد جوّد الكلام عن الصحابة، وجميل سيرتهم، وعفتهم عن المال والرفاهية؛ كما جوده في فصل أُمية الرسول (ص).

ومن أجمل ما في كتاب الدين والدولة نقول عن الكتاب المقدس والنبوات، عليها مسحة من البلاغة أكثر من الترجمات المتداولة، ولعلها منقولة عن الترجمات الضائعة من التوراة والإنجيل؛ إذ أنه ترجمها هو بنفسه لما كتب كتابه. ويطالعك هذا الكتاب: بأن مؤلفه الحكيم الطبيب العظيم هو من أعظم علماء الأديان، وأنه دان بالإسلام وهو رجل، وعرف صورة الاحتجاج على أرباب الأديان الأخرى وإفحامهم ببراهينه. وقيل إن امير المؤمنين المتوكل ساعده على هذا التأليف. ولو لم تبقى الأيام عليه لنسى حتى اسم علي بن ربَّن؛ اللهم عند أفراد قلائل يعانون درس الحكمة القديمة والطب القديم.

مثال من كلام ابن ربن: قال في الدلائل على تصحيح الأخبار: رأينا أمماً كثيرة العدد،

<<  <  ج:
ص:  >  >>