عظيمة القدر، موصوفة بالأفهام والإصلاح، يشهدون لعدة من الخبثة الكذابين بجميع ما ادعوه؛ مثل الزنادقة والمجوس؛ إما تقليداً أو إلفاً، وإما غباوة ومحكا، وإما إجباراً أو كرهاً، كما فعل زرادشت متنبيء المجوس فانه لم يزل يتأتى لبشتاسف الملك حتى وصل إليه، وزرع من وساوسه في صدره؛ ثم لم يزل يختله بذكر الله، والدعاء إليه، ويفتل في الذِّروة والغارب حتى فَتله عن دينه، ولواه إلى رأيه. ثم أظهر له ما كان يضمره من الشرك، وزين له نكاح الأمهات والبنات، وأكل القذر المذر من النجاسات؛ فكان الملك بعد ذلك هو الذي أكره أهل مملكته على دينه. وفعل ماني شبيهاً بذلك؛ فإنه ظهر في زمان كان الغالب فيه دينان: النصرانية والمجوسية؛ فاختدع النصارى بأن قال لهم إنه رسول المسيح عليه السلام، وخلب المجوس بأن وافقهم على الأصلين. فلما وجدنا من الإجماع ما هو هكذا، ووجدنا منه ما هو كالإسلام؛ علمنا أن قبول كل إجماع فتنة، ورد كل إجماع ضلالة. . .
ابن حبان
كان أبو حاتم محمد بن حبان البستي (٣٥٤) مكثراً من الحديث والرحلة والشيوخ عالماً بالمتون والأسانيد، أخرج من علوم الحديث ما عجز عنه غيره، فعدَّ من طبقة البخاري فيه؛ حتى قيل إن صحيحه أصح من سنن ابن ماجه. سافر ما بين الشاش والإسكندرية، وأدرك العلماء والأئمة والأسانيد العالية. وكان وعاء من أوعية العلم في اللغة والفقه والحديث والوعظ، عارفاً بالطب والنجوم والكلام، عاقلا معدوداً في الرجال. صنف فخرج له من التصنيف في الحديث ما لم يسبق إليه. وولى قضاء سمرقند وغيرها من المدن، ثم صُرف عن القضاء فيما قيل بدعوى أنه زعم أن النبوات علم وعمل. وصنف لأبي الطيب المصعبي كتاباً في القرامطة، والقرامطة كانوا يهددون ملك العباسيين. وقال بعضهم إن له أوهاماً أُنكرت فطعن عليه بهفوة منه بدرت، ولها محل لو قبلت. وقتله الخليفة بدعوى أنه يعرف بعض العلوم الرياضية وهو في الثمانين من عمره. والغالب أن قتله كان سياسياً في أمر يضر ببني العباس. فقالوا كانت الرحلة بخراسان إلى مصنفاته وقد سبَّلها ووقفها وجمعها في دار رسمها بها جعلها لأصحابه، واتخذ مسكناً للغرباء الذين يقيمون بها وأهل الحديث والمتفقهة، وجعل لهم جرايات يستنفقونها داره، وأوصى وصيته أن يبذل كتبه لمن يريد نسخ شيء منها من غير أن يخرجها منها. وذكروا أن السبب في ذهاب كتبه تطاول