رحم الله الأستاذ عبد العزيز جاويش فقد أمضى عمره مكافحا دون وطنه ودون دينه. وخرج من الدنيا كما خرج المجاهدون أمثاله من غير نسب ولا جاه ولا مال. وحسبه من مجد الدنيا وزخرفها أن يذكره الناس من بعده بكل خير وجمال ومعروف، وأن يبعثوا إليه في مثواه الأخير بتحيات عاطرة خارجة عن حدود المادة وحدود الضرورة، إنما هي تحية روح إلى روح، جزاء ما قدم للدين والوطن من نفسه وماله ونشاطه.
لم تكن حياة هذا البطل المجاهد سهلة ولا ميسرة، وهو لم يرد أن يقنع في حياته هذه بما ييسر لكثير من الناس، فيرضى به، ويقبل عليه، ولا يرى بأسا في الركون إليه ولو إلى حين، فيكفي نفسه مشقة الجهد والبذل والدءوب. بل أرادها حياة واسعة في مجال واسع، حتى يستشعر لذتها وبهجتها، كلما ضرب هنا وهناك في فجاج الأرض وأقطار المعمورة، وكلما جرد قلمه منافحا عن وطنه الذي ذل تحت أقدام المستعمرين. وكلما سود الصحائف في تبيان أهداف دينه وأغراض الدعوة الإسلامية المباركة.
وما كان الإنجليز ليرضوا عن هذا الوطني الحر والمتدين عميق الإيمان، فطاردوه من مكان إلى مكان. وكانوا وراء كل محاولة لإيذائه أو إعناته أو إخراجه من وطنه مصر. ولذلك لم يكد يستقر به المقام في هذه البلاد. فكان دائما يضطر إلى الاضطراب في بقاع أخرى من العالم، يجاهد فيها في سبيل وطنه ودينه ما أتيحت له الأسباب والوسائل، فإذا ما سنحت فرصة لرجوعه إلى الديار مرة أخرى، رجع غير محس ضجرا ولا خوفا ولا ضعفا، واستأنف جهاده الذي لا ينقطع إن في مصر وإن في غيرها، وعاد إلى التحرير والكتابة في الصحف التي كانت ترحب بما يكتب وتفسح له في صفحاتها مكانا محمودا.
وقد رأس عبد العزيز جاويش تحرير (اللواء) بعد مصطفى كامل، وأخرج مجلة (الهداية) لإفهام المسلمين أسرار القرآن وهو في مصر، ولما أبعد إلى تركيا أعاد إصدار هذه المجلة، وأصدر مجلة (الهلال العثماني) ومجلة (الحق يعلو).
وقد حوكم أكثر من مرة بسبب مقالاته الوطنية اللاذعة في اللواء، كمقاله (دنشواي أخرى في السودان)، وكمقاله (ذكرى دنشواي)، وكمقدمته لكتاب (وطنيتي) الذي وضعه علي