دراسة الدين والسلوك الديني موضوع لن يطمح كاتب هذه السطور أن يستنبط له منهجاً جديداً؛ إنما هو يستوحي لذلك ما انتهجه بعض أئمة البحث الغربيين من مناهج، وذلك لأن هذه الدراسة قصد بها التعرف على مشكلة الدين والسلوك الإنساني في المحيطين الأوروبي والأمريكي اللذين تغزو موجاتهما دعائم الفكر العربي في هذه الآونة مما أوجد بين بعض المثقفين العرب اتجاهاً سلبيا إزاء وظيفة الدين الروحية والاجتماعية. وهذا ما يدفعني إلى اتخاذ هذا النهج على أساس الحكمة التي تقول (من فمك أدينك).
ويجب ألا يغرب عن البال أن البحث في وظيفة الدين الاجتماعية لا يعني الانكباب على دراسة (اللاهوت)؛ فاللاهوت يختص بالتعرف على التطور الفكري والتاريخي للمذاهب الروحية، بينما ينطوي علم الدين الاجتماعي على استعراض علاقة الغريزة الدينية بالحياة اليومية وما يعرف الآن بعلم الاجتماع الديني.
فالناحية اللاهوتية في الدين تعالج العقيدة من حيث أنها إيمان وذلك عن طريق الدراسة لفلسفة الوجود والتعبير الديني ممثلاً في الصلوات والعبادات. وعلم الدين الاجتماعي يتطرق إلى الظواهر الاجتماعية وصلتها بالحياة الروحية. وهذا في الواقع صلب الإشكال بين المفكرين في الغرب وانقسام الرأي فيهم بين أنصار العقل والقيم الروحية من جهة، وأنصار الغريزة البدائية من جهة أخرى.
ولا ريب أن العلاقة وثيقة بين اللاهوت وعلم الاجتماع الديني، ولكنها ليست ضرورية دائماً. ويخيل إلى أن الإسلام في بساطته ووضوح تعاليمه لا يتطلب دفاعاً لاهوتياً على النحو الذي تتطلبه الأديان السماوية الأخرى.
ولقد كثرت في الآونة الأخيرة أبحاث بعض المفكرين المسلمين في الشرق العربي عن علاقة الإسلام بالمذاهب السياسية والاقتصادية والفكرية المعاصرة. والجدل الذي أثير مؤخراً حول هذه البحوث لا يتطرق إلى صلب الدين الإسلامي ولا يجادل جوهره ومبادئه، وإنما يطوف حول الناحية الاجتماعية في التعاليم الإسلامية.