للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[العلوم]

العنصرية

للدكتور أحمد زكي

قامت النازية الألمانية على مبادئ عدة، منها السياسي ومنها الاقتصادي ومنها الإداري، ولكن لعل أخطر من هؤلاء جميعاً وأكثر وروداً على ألسنة خطبائها، وأسرع إذكاءً لحمية مستمعيهم، ذلك المبدأ الغالي الذي يعتمد على القومية الخالصة والدم الصريح، في استنهاض الشعب الجرماني إلى كل ما تقول به النازية وتدعو إليه من العقائد والأعمال.

لو أن النازية قصدت إلى تمجيد قومها، وغالت في ذلك ما شاءت وشاءت لها الدعاية، لما شكا أحد مما تقول، ولو أنها غالت حتى ألهتهم، لنظرت إليها الأمم بابتسامة عريضة يستتر وراءها اغتباط هادئ من تذوق فكاهة هائلة، في عالم يحسن أن تكثر فيه الملح والنكات. أما وقد أرادت أن تمجد قومها بتجريد غيرها من الأقوام، وأن تزيد في أولئك بانتقاص هؤلاء، فقد أثارت حفائظ الأمم، وأيقظت عزة الأجناس البشرية، فاستقاموا في جلستهم يستمعون لجد حسبوه مزاحاً، وتقطبت من جباههم أسارير للتفكير، بعد أن كانت قد انبسطت وجوههم بالبشر، وذلك لما رأوا المهزلة تستحيل إلى مأساة، ووجدوا النازية تطرح على كتفيها روب الأستاذ العالم الأنثروبولوجي، ينظر في أصول الأمم، ويقدر قيم الأصلاب، ويضع الخلق في منازل تعلوها جميعاً تلك النطف الجرمانية التي ادخرتها الآلهة على الأجيال، لتنحدر إلى الوجود في القرن العشرين فتكون للناس سادة أمثالاً، وتكون هدى وبشرى للعالمين. وكل ذلك باسم العلم.

لذلك تصدى للرد على هذه النظرية التي اتخذت صورة علمية رجال من رجالات العلم، ولعل أكثر هؤلاء اعتدالاً رجل متحدر هو نفسه من أصلاب جرمانية، ذلك هو (ملكولم بيسل) الأستاذ بجامعة كاليفورنيا. قال:

قل من يخالف في أن الجنس الجرماني جنس عظيم، وأما أنه أعظم جنس كان في كل زمان ومكان، وأن كل مدنية كانت وتكون، اعتمدت وستعتمد على هذا الجنس، فذلك ما لا تحتمله أكبر المخيلات إسرافاً، ولا تتسع له أكثر الحلوم رخاوة وسماحة. ومثل هذه المغالاة، لاسيما إذا استعير لها لسان العلم، ستظل دائماً نذيراً بأن الإنسان لا تزال عواطفه

<<  <  ج:
ص:  >  >>