استهل (بنيامين هارفورد) حياته كمحام وهو يؤمن تمام الإيمان بهذه العبارة التي طالما طالعها فيما كان يطالع حتى نزلت منه بمنزلة العقيدة الراسخة، وهي بالنص (الشخصية مصدر للقوة). فقد كان (هارفورد) مقتنعاً بأنه ذو (شخصية) لها مقوماتها الخاصة وذاتيتها البارزة. . .
كان (هارفورد) طويل القامة مهيب الطلعة - كما وأنه في مشيته أدنى إلى الاختيال والزهو. . وحق له أن يزهو بعد فعاله الباعثة للدهشة. .
خذ على سبيل المثال قضيته الأخيرة. . فقد أفلح في دفاعه عن (بلنكي لويس) حين أتهم هذا الرجل بقتل أحد رجال البوليس. . . وكانت وقتئذ الأدلة موفورة ضد (بلنكي) حتى عده القاضي مداناً ومال المحلفون إلى مشاطرته هذا الرأي قبل استكمال إجراءات المحاكمة؛ ولكن المحامي (بنيامين هارفورد) كان يعلم أن بلنكي برئ. . وذلك بعدما أختبره اختباراً عاتياً وأمتحنه امتحاناً قاسياً بعد أن ركز فيه كل شخصيته وسلط عليه (نظراته الحادة) حتى أنتزع منه الاعتراف الأخير الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، إذ قال له المتهم المعرض لحبل المشنقة هذه الجملة المؤثرة:(نجني يا أستاذ. . فلست أنا الذي ارتكبت هذه الجريمة).
نعم. قال (بلنكي) هذا. . وما كان لإنسان أن يستغفل (هارفورد) أو يقول له غير الحق!. . والواقع أن دفاع (هارفورد) الحار البليغ مصحوباً بسحر شخصيته القوية، قد نال من ثبات القاضي، وزعزع يقين المحلفين، فإذ بالحكم يصدر آخر الأمر بتبرئة ساحة (بلنكي). . ويا لها من تحية عاطرة تزجى إلى (هارفورد) فلولاها لأدين (بلنكي لويس) حتماً وسيق إلى حبل المشنقة. . . وكذلك (هارفورد) يؤمن في قرارة نفسه أن (بلنكي) لم ينجح بفضل ذلاقة لسانه ولباقة دفاعه، بل بفضل نظراته الساحقة الحادة التي سلطها على المحلفين وهو