وقعت الواقعة، وحدث المستحيل: اتفقت روسيا مع أمريكا، لا على صيانة سلم العالم وأمنه من خط المنافسة بينهما وتوسيع كل منهما لنفوذه على حساب استقلال الأمم الصغيرة، ولكن على تقسيم (فلسطين). وكأن كلا من هذين العملاقين قد شعر بأن فلسطين الصغيرة، العربية الأبية، لن تخضع له منفرداً، فآثر أن يتفقا معاً تجاوزاً عن خصومتهما التي ملأت أسبابها كل بقعة على ظهر الأرض بدلا من الاعتراف بالعجز والتراجع أمام الإباء العربي والمقاومة الإسلامية. فإن كان في ذلك معجزة فليس بغريب أن تأتي فلسطين بالمعجزات، وإذا كانت فلسطين الصغيرة قد حققت تلك المعجزة بفضل تضامن العروبة معها؛ وهي بعد لم تبدأ المقاومة العملية والتجربة الدموية التي تتأهب لها، فإن العالم سيشهد قريباً لبطولتها جهادها بالمعجزة الأخرى؛ هي أن تنتصر إرادة هذا الشعب العربي الصغير الأبي على خطط الصهيونية وحليفيها العملاقين مجتمعين. وإذا كتبت فلسطين صحائف جهادها بدماء أبطالها، وسجلت العروبة تضامنها بنجدة شبابها، فإن قوى الأرض مجتمعة لن تنال من وجودها واستقلالها، ولو اتفق على ذلك الروس والأمريكان.
إيه يا فلسطين لا تيئسي ولا تترددي، ولا يقولن دعاة الذلة والاستكانة ماذا نفعل أما جحافل الشرق الروسي والغرب الأمريكي، وأين لنا بالقوة التي تحبط بها إرادة (الأمم المتحدة) فما تلك إلا حجة لجبان يبخل بدمه على مواطن الشهادة، وبراحته على متاعب الجهاد. أما سليل البطولة ومن تجري في دمه عزة العروبة فإنه يعلم أن هذا (الاتفاق) بين أنصار الباطل إنما هو وهم وتضليل يقصد به إرهابك وإضعاف عزيمتك، أملاً في أن ينصرف شعبك عن المقاومة ويرغب في الاستكانة. فإذا أنت تشبثت بعروبتك وصممت على الجهاد في سبيل استقلالك فستنهار كل هذه (الاتفاقات) وتتحطم هذه المؤامرات في ميدان العمل ولعمري إنه ليس بغريب أن اتفق الروس والأمريكان هذه المرة؛ فمن ذا الذي لا يتفق على اقتسام شعب لا يقاوم؟ ومن ذا الذي لا يتفق حتى مع عدوه على اقتسام غنيمة باردة، ما دام يظن أنها لن تكلفه شيئاً؟ ولكن مثل هذه الاتفاقات الرخيصة ستذوب وتتلاشى، وسترين أن دماء أبنائك كفيلة بمحوها متى أيقن العالم أن إرادتك قوية وأنك عازمة على الدفاع عن