حاول الأسطول المصري في أول عهد الحروب الصليبية أن يقوم بدوره في الدفاع عن الأراضي المقدسة، فكان ينجد المسلمين عسقلان ويافا وصور وبيروت وطرابلس وجبلة واللاذقية، وكان ينتصر على الإفرنج أحيانا، وأحيانا يرده الفرنج عن وجه فيعود إلى مصر، وكان أهل الشام يترقبون قدوم الأسطول إليهم، ويدخل الأمل قلوبهم إذا وجدوه في موانيهم، وكان قديرا على رد العدوان عن بلادهم لو أن الحالة السياسية في مصر ساعدته ذلك؛ فلم يكن ضعف ولا قلة في جندا أو سلاح أو أموال، ولكن الحالة السياسية التي سادت مصر في آخر عصر الدولة الفاطمية هي التي حالت بين الأسطول وبين المساهمة الفعالة المجدية في هزيمة الصلبين.
فلما جاء صلاح الدين الأيوبي انتفع بالأسطول المصري أيما انتفاع واشترك الأسطول اشتراكا فعلياً ناجحاً في إنزال الهزيمة بالأعداء المغيرين، فهو، حينا يستولي على سفنهم، ويظفر بالأسرى منهم، كما حدث سنة ٥٧٥، ففي هذا اليوم الذي انتصر فيه المسلمون في معركة مرج عيون ظفر الأسطول بسفينتين وألف أسير وغنمت من هذه الغزوة أقوام كانت أعينهم لا تعرف عين الدرهم ولا وجه الدينار، وحيناً يغزو الساحل غزوة موفقة يحطم فيها أسطول الفرنج كما حدث في غزوة عكا؛ تلك الغزوة التي وصفها القاضي الفاضل بقوله: الأسطول المصري غزا غزوة ثانية غير الأولى، وتوجه عن السواحل الإسلامية مرة أخرى، من الله فيها منة أخرى، وكانت عدته هذه السنة قد أضعفت وقويت، واستفرغت فيها عزائم الجهاد، واحتلت به الرجال الذين يعملون في البحر، ويفتكون في البر، ومن هو معروف من المغاربة بغزو بلاد الكفر، فسارت على سوار هي كنائن، إلا أنها تمرق مروق السهام، وواكد هي مدائن إلا أنها تمر مر السحاب غير الجهام، فلا أعجب منها تسمى غرباناً وتنشر من ضلوعها أجنحة الحمام، فطرقت في الأحد حادي عشر جمادى الأولى