لعل الشعب الأسباني هو آخر شعب يحتاج إلى من يثبت له عظمة العنصر العربي وسمو الحضارة الإسلامية، لان وجوده ونهضته التي سبق بها جميع الشعوب الأوربية، وكانت رائد النهضة الأوربية الحالية هي ربيبة تلك الحضارة الإسلامية العربية التي نعمت بها الأندلس زمناً طويل، وعاشت في ظلها عصراً ذهبياً سجل التاريخ مفاخره برغم تداول الأيام وانتقال السلطان.
لكن أسبانيا قد انساقت في هذا العصر في تيار الاستعمار الأوربي، وسيطرت على قادتها المادية الاستغلالية، وآثرت أن تنسى التاريخ، وأن تدفن الماضي، وأن تشترك في الغارة الأوربية على أجزاء الوطن العربي، فسلم لها شركاؤها الاستعماريون جزءاً هاماً من وطننا الأفريقي في المغرب، سارت فيه على خطة جارتها فرنسا، فحاولت أن تحطم القومية العربية بكل الوسائل الاستعمارية الوحشية، غير عابئة بمبادئ الإنسانية والمدنية. علمت أن العربي لا يقيم على الذل ولا يصبر على الضيم، فسول لها شياطين الاستعمار. أن أسهل الطرق هو إفناء هذا الشعب الأبي العنيد، وليقل التاريخ ما شاء بعد ذلك.
ثم جاءت النتيجة المحتومة للتكالب النفعي الاوربي، أن انقلب الماديون على أنفسهم، وأغرى الجشع بعضاً ببعض، فتفرقت الطبقات، وتقابلت العصابات، واشتعلت الحرب الأهلية الأسبانية، فاستعان الجنرال فرانكو بعرب المغرب، وبذل لهم وعوداً خلابة، ومناهم بالاستقلال الذي جاهدوا له. ولم يقصر دعايته على المغرب، فأرسل إلى رئيس المؤتمر الإسلامي الذي عقد بالقاهرة في ذلك الحين، الدكتور عبد الحميد سعيد، خطاباً تاريخياً مؤيداً لوعوده وتصريحاته
(بأنه عندما تثمر شجرة السلام فسيقدم للمغرب العربي منها أطيب الثمار). . . وظن العرب أن الواعد عربي يعرف معنى الشرف، ويحترم قدسية العهود، ونسوا أنه رجل أوربي ينسى كل شيء في سبيل مطامعه وأهوائه. جاءه النصر بفضل مساعدة العرب وانتظر العرب والمسلمون طويلاً تحقيق الوعود والعهود، فإذا سياسة الاضطهاد تستأنف وتزيد، وخطة الإفناء الوحشية تبدأ من جديد، وإذا الشرف يتواري وتحل محله (المصلحة)،