[من كتاب الحياة]
شريد. . .
للدكتور عزيز فهمي
مرَّ بي كالخيالِ في أَسْمالِه ... واهياً كالخيالِ عندَ زَوالِه
حائرَ الطَّرْفِ والخُطى كطريدٍ ... ذاهلاً عن يَمينه وشمالِه
راعشاً والسماءُ تُمْطَر سَيْلاً ... يُنْذِرُ الرعْدُ صاخباً بانهيالِه
يَهْرَأ البَرْدُ ما يُواريه بُرْدُ ... وصريرُ الرياحِ دونَ سُعالِه
أيها العابِرُ المُجِدُّ تَمَهَّلْ ... وأنْتَ أَحْرَى بأنْ تَرِقَّ لحالِه!
صِحْتُ: يا طِفْلُ! لمْ يَكَدْ يَنْتَبِه لي ... فتَبْعِتُ الشريدَ والقلبُ والِه
حَيْثُ أَثْوى بَمْسِجٍد غير ناءِ ... مُطرقاً من حَيائه وسُؤالِه
والمُصَلُّونَ مَنْ يُسَبحُ منهم ... عازفٌ عن فضوله وابتذالِه
حَرَماً يا أخي ويا صاحِ جَمْعاً. . . ... أينَ مِنْ وقعِهَا ذليل مَقالِه؟
لم يجدْ راحماً ولا مُسْتجيباً ... بعْدَ ما بُحَّ صوتهُ من كلالِه
فانثنى عائداً بِخُفى حُنَيْنٍ ... كاسفَ البالِ مُشفقاً من مآلِه
ثُم ولى إلى الكنيسةِ وجْهاً ... واسْتَجارَ الفتى بِعيسى وآلِه
رَدَّهُ سادِنُ الكنيسةِ رَكْلاً ... لَيْتَ من رَدَّهُ استحى من جلالِه!
ما على الدَّيْرَ لو أَقامَ نهاراً ... أو أطالَ الوقوفَ فوقَ احتمالِه؟
فمضى هائماً على غَيْرِ وجْهٍ ... ليس يَلْوي على هُدًى في ضلالِه
وإذا بي أرى فَتًى أرْيَحياً ... هَزَّهُ النَّبْلُ لا يَضِنُّ بمالِه
يَتْركُ الحانَ والنَّدامى ويعدو ... كالذي فَرَّ نَاشِطاً من عِقالِه
صاحَ بالطفلِ يا بُنَيَّ انتظرني ... لحظة: فالطريق في أوحالِه
وانْتَضَى ثَوْبه وقال تَدَثَّرْ. . . ... وأضافَ الجْوادُ بعضَ نوالِه
فتأملْتُ ما رأيتُ مَلياً ... ذلكَ الدرسُ فاعتبرْ بمثالِه
أيهم عندَ ربه مُتَّقِيه ... ليتَ شعري وأيهم غيرُ آلِه؟
ليتهم إذ صَغَوْا بِخَدٍ ومالوا ... عَنْه أَصْغَوا إليه عندَ ابْتهِالِه