الصحراء هادئة نائمة لا يحرك رمالها إلا ريح خفيفة ناعمة تهب بين آونة وأخرى. والليل ساكن صاف، والسماء سوداء قائمة لولا نجوم تضيء هنا وهناك: وأقبل المسافران يتهاديان على جمليهما، وعلى مسافة منهما سار قومهما. وكأنما كان هذان المسافران رسولي حركة وحياة لهذا السكون المهيب، فقد هبت بقدومهما رياح عنيفة شيئا، فأزعجت رمال الصحراء المستكينة الهادئة.
ولو أن ليلى الاخيلية سلمت ... عليّ ودوني جندل وصفائح
لسلمت تسليم البشاشة أو زقى ... إليها صدى من جانب القبر صائح
المسافران أمراءه وزوجها، والتفت الرجل إلى المرأة وكأنما وجد في هذه الرياح الجديدة سببا يقطع به هذا الصمت الذي لازمهما منذ بدء رحلتهما. ولكن المرأة كانت ساهمة ذاهلة فلم يقو على الكلام. لقد كانت تشع منها قوة عجيبه تضطره بل تضطر كل شيء حولهما إلى السكون والهدوء احتراما لتفكيرها وحزنها. ورفعت المرأة رأسها في هدوء، واتسعت عيناها متجهتين نحو نقطة صغيرة لاحت لها في الأفق القاتم من بعيد. وظلت عيناها عالقتين بهذه النقطة وكأنما ربطتا إليها ربطا. ثم اتضحت هذه النقطة شيئا فشيئافإذا بها أكمة صغيرة. هذه هي الأكمة التي كانت تفكر فيها، هذه هي الأكمة التي كانت تتحرق شوقا للوصول إليها ورنت الأبيات للمرة المائة في إذنيها بصوت عميق هادئ. ترى أيجيب حقا؟ لقد كان صادقا لم تعرف له كذبة قط ولكن من سمع بميت يجيب حياً. .؟ توبة.! لقد مات! نعم مات فبكيته ورثيته. . أأكون حالمة؟ وهل أفيق من حلمي فوق هذه الأكمة؟ نعم سأفيق، سيجيبني، سأخلص من هذا العذاب الذي يحرق أعصابي حرقا. . ولو أن ليلى الأخيلية سلمت. . لسلمت تسليم البشاشة. .
ظلت ليلى تردد الأبيات مفكرة وعيناها عالقتان بالأكمة التي لاحت الآن واضحة ظاهرة، ورأى الزوج الأكمة فعبس وقال لنفسه لن تمر ليلى بهذه الأكمة حتى تصعد إلى قبر توبة. وثارت في نفسه ثورة الغيرة وأخذ يتساءل ساخطا حانقا: أيمكن أن يكون حب كهذا؟ لقد