(مهداة إلى نقله الشوائع والأخبار الذين عناهم الشاعر بقوله):
(هم نقلوا عني الذي لم أفه به وما آفة الأخبار إلا رواتها)
يسرنا أن ننقل إلى القراء القصة البارعة التالية من المقدمة الشائقة التي صدر بها (عبد الله جحا) خواطره وقصصه نقلا عن المخطوط الجحوي النفيس الذي عثرت عليه، ولعله مكتوب بخط صاحبه أو أحد معاصريه.
قال:(أبو الغصن عبد الله دجين بن ثابت) الملقب بجحا: (سمعت ذات يوم أن رجلا - في أقصى المدينة - تقايأ غراباً، ثم لم يلبث الغراب أن طار، وغاب عن الأنظار. فسألت مخبري عمن أخبره بهذا؟ فقال: (فلان) فرحت إلى (فلان) أسأله جلية الخبر، فقال:(لقد رويت لصاحبي هذا الخبر، ولكنني لم أقل إن الغراب طار، بل قلت إنه سار (أي مشى)، فسألته عمن أخبره بذلك؛ فقال:(فلان)، فلما سألت فلاناً أخبرني أن الغراب لم يسر ولم يطر، ولكنه وقف ساكناً، ثم مات بعد قليل. وسألته عمن أخبره بذلك فسماه لي، ومازلت أتقصى الخبر من رواته - واحداً بعد الآخر -: هذا يخبرني أنه سمع أنه لم يتقايأ غراباً، بل طائراً يشبه الغراب. وما زال الخبر يتناقص كلما تتبعته وقربت من مصدره، حتى لقيت صاحب القصة نفسه، فلما أفضيت إليه بما سمعته، وسألته عن جلية الأمر، ضحك متعجباً من تحريف الأخبار ثم قال:(لقد تقايأت - منذ أيام - فقال أحد الحاضرين مداعباً: إن قيئك يشبه لون الغراب. ومازال الخبر ينتقل من واحد إلى آخر حتى زعم الزاعمون أنني تقايأت - كما سمعت - غراباً، ثم لم يلبث الغراب أن طار، وغاب عن الأبصار). . .