طلعت (الرسالة) الزاهرة في عددها (رقم: ٩٢٤) بمقالة الأديب الصديق الأستاذ عبد اللطيف الشهابي عن الشاعر العراقي (ابن خلفة الحلي) وقد أستطرد الأستاذ الشهابي في ذكر حياة ابن الحلفة، وأدبه وشعره حتى وصل إلى ذكر (بنده) المشهور، وهنا قال (وأول من أخترع هذا النوع هم أهالي (الحويزة) وهو منوال غريب قد يخرج على أو زان الشعر وقد وقد يخالفها.) وقد رأيت في هذا بعض الشطط، فجئت في مقالي هذا لتصحيح أخطائها وإبانة حقيقتها. . . فما هو البند، ومن أخترعه، ومن برع وأجاد فيه؟
قبل الإجابة عن هذه الأسئلة يحسن بنا الإشارة إلى خصائص وميزات الشعر العربي عموماً، والشعر العراقي منه على وجه الخصوص، لأن (البند) نوع من الشعر العربي، وإن امتاز بميزات وأتصف بصفات لا يشبهها الشعر العربي على وجه العموم، ثم إن هذا النوع من الشعر لم ينشأ إلا في العراق ولم يبرع فيه العراقيون. . . عرف نقاد الأدب من العرب الشعر بأنه (الكلام الموزون المقفى) وهذا التعريف البسيط يميز الشعر عن النثر، وهو تعريف شكلي، لأنه لم يذكر الميزات الرئيسية التي تخالف الشعر عن النثر، وهي مميزات الموسيقى والنغم وسحر العبارة، وهي بالإضافة إلى اتقاد الشعور وشبوب المخيلة. وقد استمسك الشعراء العرب بهذا التعريف، فنسجوا على منوال الشعراء القدماء بالأخذ بالوزن الواحد والقافية الواحدة على طريقة العمود الشعري، ولكن هذا الاستمساك، وهذا النسج، يحولان دون بلوغ الغاية والوصول إلى هدف، من حيث تصوير لواعج القلب، وخطرات الروح، لأنه يجعل قصارى الشاعر النظم على وزن واحد وقافية واحدة، دون تصوير شعوره الذي هو الهدف الأسمى من نظم الشعر، ثم لا ننسى التحشيات والجوازات والضرورات، التي تفسد الشعر، والتي جعلها الشاعر العربي وسيلة للتغلب على الوزن الواحد والقافية الواحدة، هذا بالرغم من مرونة الشعر العربي، واتساع محوره، وغزارة مفرداته وغنى ألفاظه، وبالرغم أيضاً من وجود (المجزومات) التي هي اختصار البحور الشعرية، ووجود (الأبحر الممتزجة) التي تتركب من الأجراء الخماسية والسباعية ومنها (بحر الطويل) و (بحر البسيط) كل هذه العوامل والأسباب من جهتها الموجبة والسالبة