زارني مرة لفيف من الشبان قال قائلهم: إنهم جاءوا ليسألوني عن رأيي في الأدب ويستفتوني في مسائل، فساءني هذا ولم يسرني، فقد كنت مشغولا، وكان العمل الذي ينبغي أن أفرغ منه كثيرا، فسألت الذي كان يتكلم:(كم سنك؟ ولا تخش أن أذيع السر؟).
قال (اثنتان وعشرون).
قلت (يا أخي، أني كنت في مثل سنك صاحب رأي، في الأدب وغيره، وصاحب مذهب أدعو أليه وأحاول هدم ماعداه؛ وكان لي ديوان شعر مطبوع، وزوجة ووظيفة أيضا. ولا أنكر أن رأيي قد تغير في مسائل كثيرة، ولكن هذا لماذا؟ إنه دليل على أني أديم النظر والتفكير والتدبر، ولعلي كنت في أمسي على صواب، وعسى أن أكون في يومي على خطأ، ولكن المرء لا يطالب بالتوفيق، وإنما عليه أن يسعى، وأنا اذكر لكم هذا لأني أتعجب لكم واستغرب أمركم. فلماذا بالله لا تنظرون بعيونكم، ولا تفكرون بعقولكم؟ ولماذا ينبغي أن اتعب أنا لكم - أقرأ وأحصل وأفكر وأنخل وأغربل، وانتم مستريحون ليس عليكم ألا أن تتجشموا تعب الحضور إلى هنا، وإلا أن تؤدوا أجرة الترام، أو الأمنيبوس، ومن يدري لعلكم آثرتم المشي فإنكم شبان أقوياء، والأحذية التي تبلى يؤدي ثمنها آباؤكم فلا خسارة عليكم تشعرون بها، وليبق القرش فوق القرش ليتيسر أن تقضى السهرة في مرقص!).
فضحك أحدهم، ورآه الآخرين يضحك، فأبتسم البعض وقهقه البعض، فقلت، وأنا أحس أن عفريتا قد ركبني:(صحيح قولوا. . . كم كتابا عنيتم بأن تشتروا في حياتكم منذ عرفتم الكتابة والقراءة إلى الآن - أعنى غير الكتب المدرسية التي لا تفتحونها إلا لأداء الامتحان؟).
فلم يجيبوا، وماذا عسى أن يقولوا، وأنا أعرف أن هذا الجيل يندر فيه من يحصل من العلوم أو الفنون أو الآداب شيئا غير ما يتلقى في المدرسة؟ وحتى الذي يفيده في المدرسة ينساه بعد الامتحان، ولم يسعني وأنا أحاول أن أوقظ نفوسهم وأبث فيهم روح الطلب إلا أن أذكر كيف كنا في صبانا نفرح بما يجتمع في أيدينا من المال القليل ونخف به إلى المكاتب ونروح ندير عيوننا في مئات الكتب المرصوصة على رفوفها ولا نخرج إلا وقد نفذ ما