ظهر منذ سبعة عشر عاماً في غوطة دمشق، إحدى جنان الدنيا، رجل أمي يدعي (طه أبو الورد) يخرج في (الطريق) على بعض مشايخ الصوفية، ثم جمع حوله من القرويين الجهالة وقطاع الطرق. فتزيا بزي العلماء وأخذ يمخرق عليهم وينشر عن نفسه الدعاوى المظللة في قرى الغوطة على يد طائفة من الاتباع الذين أذاعوا عنه الأخبار الملفقة كادعاء إنه هو النبي المنتظر في آخر الزمان الذي يطهر البشرية من أدرانها وأوشابها، وانه من الملهمين الذين يوحي إليهم، وأنه يبرئ المرضى ويحي الموتى ويطعم الجائعين، فاصبح في قريته (عربين) مليكا غير متوج، وشاد مسجدا في ضاحية القرية وجعل فيه (زاوية) له بين الخمائل الوارفة ومنحدرات السواقي والأنهار وبن الورود والرياحين، ونصب فيها كعبة مزوقة يتوسطها صندوق من زجاج فيه حجر اسود. وجعل الطواف حولها يغني عن شد الرحال إلى الكعبة في مكة، فجازت هذه الشعوذات على بعض القرويين السذج ولقيت عندهم سوقا رائجة، ونال صاحبنا بمر الأيام شهرة فائقة وصيتا بعيدا تجاوز الغوطتين الشرقية والغربية إلى جبال القلمون، وأقبل عليه الناس زرافات ووحدانا وقدموا إليه الهدايا والأموال فغني بعد فقر، واثرى بعد إملاق.
وعلم بأمره علماء دمشق فثارت ثائرتهم، وذهبوا إليه في قريته يستطلعون طلعه ليقفوا على خبره، ولكنه كان يتظاهر أمامهم بالورع والتقوى، ويدعي إنه استطاع أن يجعل من اللصوص وقطاع الطرق قوما متعبدين متنسكين بعد أن استتابهم وأصلحهم ولم يستطع أحد من الوافدين على هذا (المخلوق) أن يقف على جلية أمره.
وبدا لي أزوره في يوم الجمعة. وكان رسولي إليه من اشد اتباعه تعصبا له، وكان لا يألو جهدا في أن يحدثني - ونحن في طريقنا إليه - عن معجزاته وخوارقه، ويحذرني من الظهور أمامه بمظهر غير لائق بمقامه الرفيع أو اشك في أعماق نفسي بصدق دعوته ونبوءته، لأن الرجل يعرف خفايا القلوب وأسرار النفوس، فإذا لقي أمامه إنساناً جاحداً أو كافراً مسخه قرداً أو أبن آوى، ثم قال لي: أنت رجل (ابن حلال) حسب ما يبدو لي فأفهم