الأستاذ علي الطنطاوي، أو الشيخ علي الطنطاوي كما يجب أن يُدعى، ثمرة ناضجة من ثمار الثقافة العربية الحديثة: ثقف علوم الدين وعلوم اللسان ثقافة محيطة، ثم درس القانون دراسة فقهيه عميقة، وشارك في إيقاظ النهضة الفكرية والدينية والاجتماعية في سوريا مشاركة منتجة؛ فله في قيادة الشباب محل، وفي توجيه الآداب طريقه، وفي سياسة الإصلاح مذهب؛ وهو نفر من صحابته يمثلون في سورية الناهضة الحلقة الواصلة بين عقيدة التنكر القديم، وعقلية تنكر التجدد. وليس الأستاذ الطنطاوي مجهولاً لدى قراء الرسالة، فهو يطالعهم الحين بعد الحين بالفصول الممتعة في الأدب والتاريخ والقصص، ينقله عن فكر خصب، واطلاع واسع، ومنطق سليم، وإيمان صادق، وعاطفة نبيلة
رغب إليه أصحاب المكتبة العربية بدمشق أن يكتب تاريخ الخليفة الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فتوفر على قراءة مائة كتاب في موضوعه بين مطبوع ومخطوط أثبت أسماءها في ثبت المصادر، ثم جمع منها أخبار هذا البطل العربي، وعارض بعض هذه الأخبار ببعض، ثم جمع ما صح عنده من الروايات الكثيرة وجعلها كالحديث الواحد منبهاً إلى مصدر كلُّ رواية ودرجة كلُّ حديث. وتلك هي الطريقة السلفية التي تعتمد على الحشد والرواية، أكثر مما تعتمد على التحليل والرأي، فهي تعطيك أسباباً من غير حكم ومادة من غير صورة، وقد ركب الأستاذ هذه الطريقة الوعرة على قصد وعلم، فهو يقول: (وكان عليَّ أن أسألك في هذا الكتاب سبيل الدراسة التحليلية فأصف الحياة العقلية والاجتماعية والسياسية للعصر الذي عاش فيه أبو بكر رضي الله عنه والبيئة التي نشأ فيها، وما كان لذلك من الأثر فيه، وأدرس أخلاقه وسجاياه، وأبحث العوامل التي عملت في تكوينها، وأبين أثر الإسلام فيها، وأثرها في التاريخ الإسلامي، وما إلى ذلك من عناصر الدراسة