هذا حديث كنت شاهده عرضاً، وكان قد جرى بين صديق لي من القصاصين وبين إحدى الإنجليزيات، لم أشترك فيه إلا بالسمع فقط وإلا بإشارة عارضة أو نظرة تأييد وموافقة عندما كان يفزع إليَّ أحد المتحادثين في غضون الحديث، فكنت اعتصم بالصمت طوال سيره
وقد بدأ هذا الحديث أول ما بدأ تغلب عليه مسحه من التزمت الذي يقتضيه مثل هذا الموقف، ثم أخذ يتحدر شيئاً فشيئاً إلى الكثير من اللجاجة وقليل من قسوة اللفظ كنت أرى أنهما غير مصطفين
وقد سجلت هذا الحديث لأنه يمثل متهماً يدافع عن نفسه في اتهام لا يمكن أن يبرز في غير هذا السياق من الأخذ والرد، ولأنه يمثل مفهوماً للأدب الحديث بين عصرين وحضارتين وجنسين
قالت الجليسة لرفيقي بعد تطور الكلام - وكان في حفلة من الحفلات العامة - الذي بدأ كما يبدأ كل كلام بين غريبين ببعض المجاملات المعروفة:
- علمت أنك تكتب القصص الصغيرة، فهل كان ذلك منك اختياراً، أم أنك كنت تقتفي أثر أحد من الأدباء الذين أعجبت بهم؟
فأجاب صاحبي:
- من المؤكد أنه اختياري الخاص؛ وإن كان قصدك بالاقتفاء (التقليد)، فان القليل عندنا من أدباء العربية من يكتبون القصص الصغيرة والأقل منهم من يجيدها. وإن كان قصدك اقتفاء سير الأدب الغربي، فأنت تعلمين أن مثل هذا لا يمكن أن يسمى اقتفاء أو تقليداً، لأن جميع الأدباء الغربيين تقريباً يكتبون القصص، بل لعلهم لا يكتبون سواها، فلا يمكن أن يكون كل واحد مقلداً لكل واحد
- أنا لا أفرق بين الاقتفاء والتقليد، وإن كنت في الحقيقة لا أرى في التقليد العيب الذي ترونه فيه أنتم معشر الشرقيين، فالحقيقة أن الابتكار نفسه هو تقليد مضاعف
- قد يكون ذلك حقاً، ولكن رغبة الأديب في القالب الذي يفضله لأداء رسالته الأدبية لا