للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تطور العلوم الاجتماعية]

للأستاذ محمد جلال عبد الحميد

يتبين من تاريخ علم الاجتماع إنه لا يزال في دور التكوين. ولعل سبب ذلك يرجع إلى ما يشوبه من نظريات فلسفية أفسدت عليه استقامة عوده، والى عدم استقرار فروعه وتحديد غايتها واستخلاص طرقها.

فنرى تاريخ الأديان مثلا تتنازعه تيارات كثيرة؛ وعلى حسب اختلاف اتجاه تلك التيارات وقوتها تختلف طريقة البحث ونتيجته. وكثير من مؤرخي الأديان الكبرى كاليهودية والنصرانية والإسلام يرون أن للأديان منشأ واحدا لأنها جميعا تعترف بوجود قوة خالقة واحدة لهذا الكون يشعر بوجودها الإنسان حين النظر في أمر تكوينه والبحث عن آثار تلك القوة الممثلة في وجدانه. أخذ هؤلاء العلماء يردون ويفسرون جميع الظواهر الكونية والاجتماعية والنفسية إلى أصل واحد يحيط بها ويعبر عنها بأسلوب لا يأتيه الباطل ولا يتطرق إليه الشك، وهذا الأصل هو الكتب المقدسة وآثار الأنبياء. من أجل ذلك توفرت جهود المؤرخين على جمع وترتيب شتات هذه الكتب وتلك الآثار، وانكبوا على دراستها ليستخرجوا منها أسباب الحوادث والوقائع التاريخية مفسرين كل هذا حسب ما لديهم من اعتقادات راسخة وإيمان ثابت في صحة روايات ووقائع تلك الكتب والأحاديث.

وهناك فريق آخر - وهم الفلاسفة ومن إليهم - يرى أن نشأة الأديان ترجع في أصلها إلى عوامل نفسية لما فطر عليه الإنسان من حب ولما تكون فيه من غرائز، وإن هذين العاملين يتنازعان القوى الروحية للإنسان، وعلى قدر تغلب أحد هذين العاملين على الآخر تتعين طبيعة الدين وقوته. فالدين عند الأمم المحدودة المدنية مثلا هو دين غريزي، لأن أصله غريزة الخوف والتنازع على البقاء. وقد نعته (برجسن) بأنه دين خامد لخلوه من عناصر التطور والتجدد. وأما الأديان الكبيرة كاليهودية والنصرانية والإسلام والبرهمية فإنها تصدر عن عاطفة الحب التي يتميز بها الصوفي في تلك الأديان. ومن أجل ذلك اعتبر موسى وعيسى ومحمد عليهم السلام أنبياء لتميزهم بحبهم الخالص للعالم كله، وتفانيهم في العمل من أجل سعادته، وقدرتهم على الإشراق والتقمص في قوة الكون ذاتها، ليمثلوها في أجلى مظاهرها وأتم معانيها من خلق وتجديد، وهذه هي الأديان (المتطورة)

<<  <  ج:
ص:  >  >>