للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[صفحات من الدبلوماسية الأسلامية]

السفارات الخلافية والسلطانية وعلائق الإسلام والنصرانية

للأستاذ محمد عبد الله عنان

منذ نحو عام عرضت في الرسالة إلى موضوع السفارات النبوية؛ وتبادل السفارات بين الشرق والغرب في العثور الوسطى، سواء من الإسلام إلى الأمم النصرانية، أو من هذه إلى الدول الإسلامية، من الموضوعات الهامة التي تشوق بتفاصيلها وما تلقيه من ضوء على علائق الشرق والغرب في عصور لم يكن الإسلام فيها سيد المشرق فقط، بل كان يساهم أيضاً بنصيب قوي في سيادة الغرب ذاته. وقد كان لهذه السفارات رسوم وقواعد تتفق مع صولة الإسلام وتلائم روح العصر، وكان لها في بعض الأحيان أثر كبير في توجيه سياسة الإسلام نحو النصرانية، أو سياسة النصرانية نحو الإسلام. وقد كانت ريح هذه السفارات تتجه بالأخص من الغرب إلى الشرق في عصور القوة والمجد. ذلك لأنها كانت في الغالب ترمي إلى التماس السلام والمهادنة أو تحقيق بعض المنح والمغانم من الإسلام القوي الظافر، ولكنها كانت في عصور الضعف والاضمحلال تتجه بالأخص من أمم المشرق إلى أمم المغرب التي تتبوأ مقام الزعامة والنفوذ، وتعمل لتوطيد سيادتها بالضرب والتفريق بين الدول الإسلامية المتنازعة، كما كانت تفعل الدولة البيزنطية منذ انحلال الخلافة العباسية وتمزق سيادتها بين مختلف الدول والامارت التي قامت على أنقاضها، وكما كانت تفعل إسبانيا النصرانية منذ انهارت الخلافة الأموية القوية، وانقسمت الأندلس إلى إمارات الطوائف، على أن هذه القاعدة لم تكن عامة، وإنما كانت ظاهرة ملحوظة فقط، فكثيراً ما كانت تعقد المعاهدات وتتبادل السفارات بين الدول الإسلامية القوية والدول النصرانية القوية تنظيما للعلائق والمصالح المشتركة بينهما

وسنحاول أن نعرض في هذا الفصل إلى طائفة من هذه السفارات الشهيرة التي ترد أخبارها أشتاتاً في تواريخ الشرق والغرب، وسنرى فيها من أوجه التماثل أحياناً، ومن أوجه التباين أحياناً أخرى، ما يفسر لنا بعض العوامل التي كانت في تلك العصور محور العلائق الدبلوماسية بين أمم الإسلام وأمم النصرانية، ومبعث التجاذب السياسي بينهما

كانت الدولة الأموية دولة الفتح والانشاء، فلم يتسع وقتها لتنظيم العلائق الدبلوماسية

<<  <  ج:
ص:  >  >>