لقد مرت على القارة الآسيوية قرون ازدهرت فيها إمبراطوريات عديدة، ووحدت قسما غير يسير من هذه القطعة من الأرض، ولا نقتصر في ذكر هذه الإمبراطوريات على ما قام منها في العالم القديم. كإمبراطورية البابليين، والآشوريين، والفرس، وإنما هنالك دول إمبراطورية واسعة نشأت في العصور الوسطى بعد سقوط دولة الرومان وأهمها الإمبراطورية العربية التي سيطرت على آسيا الغربية والوسطى، وامتدت إلى حدود الصين، وهكذا كانت القارة الآسيوية إذ ذاك تحكمها إمبراطوريتان كبيرتان إمبراطورية أبناء ماء السماء (الصين) في الشرق، وإمبراطورية أبناء يعرب في معظم القسم الباقي. انقرضت بعد ذلك إمبراطورية العرب وضعفت إمبراطورية الصين وتغيرت حالها وبدأت العصور الحديثة تحدثنا عن قيام إمبراطورية يابانية كانت قليلة الشأن حتى منتصف القرن الماضي، ومن ثم أخذت تزدهر وتنمو حتى ليخال المطلع على شؤونها أنها ستبني إمبراطورية آسيوية لم يعرف التاريخ لها مثيلاً
إن حكاية تقدم اليابان والحق يقال حكاية عجيبة وأعجب ما فيها تلك السرعة التي قضت فيها على نظامها القديم منذ ثورة ١٨٦٨ الدستورية، وأنشأت لنفسها قوة حربية في البر والبحر حتى أصبحت تضاهي أعظم دول الأرض، وكذلك يدهشك نجاحها في إنشاء قوة صناعية لا تقل عن قوى أهم دول أوربا وأمريكا الصناعية اليوم. ثم نجاحها في مناوأة جارتيها الكبيرتين الصين والروسيا، واكتساحها قسما من ممتلكاتها. فروسيا القيصرية والصين الإمبراطورية قد عجزتا بين أواخر القرن الماضي وأوائل القرن الحاضر عن صد هجوم اليابان فأعطتها الأولى نصف جزيرة سخالين وبور آرثر، وأعطتها الثانية جزيرة فورموزه مع منحها شبه جزيرة كوريا الاستقلال، وكان استقلال كوريا خطوة نحو استيلاء اليابان عليها. فلم تأت سنة ١٩١٠ إلا وكانت حكومة الميكادو صاحبة الأمر فيها، ولم تنته الحرب العالمية وتوقع معاهدة فرساي إلا وكانت اليابان قد وضعت يدها على بعض مستعمرات الألمان السابقة في المحيط الهادي وأصبحت من الدول الكبرى التي يحسب لها حساب في السياسة العالمية وخصوصاً في المحيط الهادي