تجدون الترجمة الكاملة لحياة ابن سينا وكتاباته، وأسفاره وتجاربه وأشعاره؛ كما دنها ورواها تلميذه أبو عبيد الجوزجاني؛ في تاريخ الحكماء لابن أبي أصيبعة (جزء٢ ص١ - ١٦) الذي يوجد في مكتبات مدارسكم وأقاليمكم، وفي مقدمة كتاب منطق المشرقيين - الذي قالوا إنه القسم المنطقي من كتاب (الشفاء) لابن سينا، والذي نشر في مصر غير مرة: تجدون ذلك كله في هذين المرجعين وفي غيرهما بما لا تحتاجون معه إلى مزيد من الإيضاح.
ومنه يتبين لكم أن ابن سينا (٣٧٣ - ٤٢٧هـ) لم يبلغ السادسة عشرة حتى كان قد ألم بالكتب الأولية في الحكمة رياضية وطبيعية ومنطقية، وأما ما بعد الطبيعة، فقد هداه إلى فهم ما استغلق من تعاليم أرسطو فيها كتاب أبي نصر الفارابي، كما فقهه إسماعيل الزاهد) من قبل في مسائل الفقه والخلاف، وأبو عبد الله الناتلي المتفلسف في الحساب والهندسة وعلم الهيئة (الفلك) ورياضيات إقليدس؛ وأنه منذ ذلك الحين قد دأب على المطالعة والدرس حتى أتيح له في هذه السن أن يلحق بخدمة الأمير نوح بن منصور الساماني فيمن لحق من الأطباء المعالجين؛ وأنه انفرد من بينهم في الوقوف على مكتبة الأمير والإحاطة بما فيها، حتى اتهم بحرقها ليتفرد بعلم ما حوت؛ وأنه قد حصل حينئذ كل ما صار له من علم ومعرفة، فلم يزد على علمه فيما بعد ذلك شئ - كما قال هو؛ وأنه لم يكن بعدئذ يقرأ كتاباً على الولاء، بل يقصد المواضع الصعبة والمسائل المشكلة ليتبين ما قاله صاحب الكتاب فيها - على نحو ما حدثنا الجوزجاني المذكور.
وأتم الشيخ الرئيس مرحلة الدرس وهو ابن ثماني عشرة سنة، وبدأ يكتب ويصنف، وكانت تصانيفه في ذلك الحين على الطريقة الأرسطية، تأخذ معظم مادتها من هذه الفلسفة اليونانية بادئة أولاً بالمنطق الآلة التي تعصم الذهن من الخطأ في التصور والتصديق والاعتقاد