من أنباء البرق الأخيرة أن اللورد نفيلد صاحبَ مصانع سيارات (موريس) الإنجليزية قد تبرع للدفاع الوطني البريطاني بمليون ونصف من الجنيهات، ووضع مصانعه الكبرى تحت تصرف وزارة الدفاع، فبلغت بذلك جملة هباته للوطن في مدى عشر سنوات خمسة عشر مليوناً ونصفاً من الجنيهات على رواية الصنداى إكسبرس! فإذا قرأت هذا وتذكرت ما تبرع به زخاروف وأفيروف وكوتسيكا وأنطونيادس للجيش اليوناني وهم من رجال الأموال والأعمال في مصر، لا يسعك إلا إن تسأل كما أسأل: هل لأغنيائنا وطن؟
الواقع الذي لا مراء فيه أن ليس لأغنيائنا وطن، إنما لهم قصور لإتلاف النعمة، ومزارع لعصر الفلاح، وبرك لصيد البط، وميادين لسباق الخيل، وأندية لقتل الوقت، ومنازه لإظهار الأبهة. وما عدا ذلك من أرض الوطن ومعنى الوطن فهم لا يعرفونه ولا يفقهونه!
هل سمعت أن غنياً من الأغنياء أو أميراً من الأمراء قال إن له وطناً فتبرع له بطائرة في الجيش، أو بجائزة في المعارف، أو بكرسي في الجامعة، أو بمستشفى في الصحة، أو بملجأ في الأوقاف؟
لا تقل في تعليل هذه الفردية الشحيحة: إن أغنياءنا جهلاء العقل، وأمراءنا غرباء العاطفة؛ فإن الوطنية عصبية طبيعية تقتضيها سنة الحياة، فتكون في رجل الفطرة تعصباً للأسرة، وفي رجل البداوة تعصباً للقبيلة، وفي رجل الحضارة تعصباً للأمة، وفي رجل الإنسانية تعصباً للعالم
ولئن سألتني عن تعليل ضعف الوطنية في هؤلاء الناس لأقولن لك إني عنه عاجز؛ فإنهم لا يزالون يشعرون بها شعور الفطرة الضيقة المحدودة. ومن الصعب على العقل أن يتصور أن أصحاب السمو وأصحاب المجد وأصحاب السعادة لا يجدون في أنفسهم من الحب لمصر الحبيبة الخصيبة، ما يجده الإنسان الفطري للغابة السليبة والبادية الجديبة!
يكاد النيل يعتقد أن أكثر الأجانب الذين يعيشون فيه، هم خير له من أكثر الأغنياء الذين يعيشون عليه! لأن أولئك يعاملونه معاملة الراعي الذي يحلب ويرعى، وهؤلاء يعاملونه معاملة العلق الذي يمتص ويهمل. فأينما رأى التجارة والعمارة والإنتاج رأى ضيوفه،