يرى بعض الشراح أن إعفاء الأجانب من الضرائب التي تفرضها الحكومة المصرية قائم على اتفاقات دولية، وهم في زعمهم خاطئون. وآية ذلك أن الاتفاقات الخاصة بالامتيازات كانت ترمي إلى إعفاء الأجانب الكيدية، وخصوصاً ضريبة الرأس وهي ما تقضي قواعد الشريعة المطبقة في الدولة العلية حينذاك بأن تجبى من كل أجنبي يقيم أكثر من سنة في بلد إسلامي. وكانت تعتبرها الشريعة أيضاً نوعاً من الجزية، فضلاً عن أن في دفعها مظهراً للاستبداد والتعسف المالي. هذا ويلاحظ أنه وإن كانت هذه الاتفاقات تحمي الأجانب من حملة المكايد إلا أنها لم تعفهم إعفاء مطلقاً من الضرائب بكافة أنواعها. وقد كان الأجنبي منظوراً إليه بعين الكراهية لنزعته الدينية، وبدراسة نصوص الاتفاقات الفرنسية والإنجليزية يظهر ذلك جلياً. على أنه وإن كانت الاتفاقات الفرنسية تعفي الأجانب من فرائض صغيرة فيها شيء من التعسف، فان ذلك الوضع لا يمنع من فرض ضرائب معروفة لدى الدول المتمدينة، فالهوة سحيقة بين الجزية القديمة التي كانت تفرض من جانب الظافر على المهزوم وبين الضرائب التي تفرض في الدول الحديثة.
وترى الأوساط الأجنبية هنا وجوب الإعفاء من كل تلك الضرائب، ضريبة الأراضي العقارية والرسوم الجمركية، ويرد على هذا بأن العامل الوحيد الذي حدا بالدول إلى طلب هذا الامتياز والحرص عليه هو وضع الأجانب في مأمن من تيار الضرائب الكيدية التي كان يفرضها الحكام في ذلك الوقت بدليل أن نص الاتفاقات لا يتضمن إعفاء عاماً للأجانب، فالدول في الواقع كانت تقصد حماية رعاياها من حيث طريقة جباية الضريبة ولكنها لا تعارض في فرضها. وما دامت قد ذهبت العلة فلا داعي لبقاء المعلول. فدوافع الكيد معدومة.
ولا غرو فمبدأ المساواة في تحميل الضرائب قد حبذته لجنة التحقيق في بيانها سنة ١٨٧٨. وهي مؤلفة من أجانب عينوا بعد مفاوضات مع الدول. أليست هذه حجة قوية؟ وأليست هذه شهادة شهود من أهلها؟
وفي مؤتمر لندن سنة ١٨٨٥ أكدت الدول بصراحة رغبتها في المساواة، ورأت من العدل