ما كنت أحسب قبل أن يحدثني صديقي حمدان، إن بجانب الغاب أكواخا تحوي جمالا، وأن في أواسط البيد جنات يرف ورد الحياة الفيّاح فيها، وتتفتح أكمام العيش الهني عن زهرات من الحب السعيد والهوى البريء.
لذلك لم تتهيأ لي الفرصة لركوب السفين حتى انتهزتها ميمماً الجنوب إلى أن رست بنا على مرسى الغاب المزعوم.
وهناك انتقلت من ظهر السفين إلى ظهر الهجين، فأخذ يخب بي بين نجاد ووهاد، تارة في رأد الضحى، وطوراً في طفل الأصيل، حتى انتهيت إلى حيث أراد الدليل.
فأدرت ناظري فيما حولي من الأدغال يخفق قلبي روعة، ويذهب لي حيرة، وإذا بشيخ كهل قد ائتزر بمئزر، والتفع برداء، يقوم في جفاء البداوة، وجفوة الأعراب، ماذا تريد يا زول؟ قلت التمتع والاستطلاع، فأربد وجهه، وانقبض جبينه، وكأنما الشر قد جثم بين عينية، فانخلع قلبي حذر أن أكون استبحت حماه، ولكن صديقي دلف إلينا بسرعة، وحيا البدوي في حديث مرسل ينم عن سابق معرفة، وقديم صحبة، فهدأت نفسه وسكن غضبه، وانبسطت أسارير وجهه، ثم أقبل علي باشاً مصافحا.
فسألت ممن الرجل؟ قل: من بني عقيل بن جعفر بن أبي طالب، قلت: وأنا من بني الحسين بن علي بن أبي طالب، فعاد إلي مصافحا معانقا، وكانت المصافحة حارة، والعناق طويلا.
ثم ساق رواحلنا إلى كوخ من القش بجانب خيمة من الوبر، ونادى: يا ليلى! ابن العمومة من بني هاشم شرف أحياء العرب، فبرزت ليلى من خبائها كما يبرز البدر من خلال الغيوم، ثم قالت: يا بشرى! هذا ابن الريف، قرّة العين، وسليل الحسين، وأطلقتها زغرّدة دوّت في الفضاء، فمال حمدان برأسه وقال: لها الله ليلى من فتاة بارعة الحسن تامة الجمال! أنظر تر جسما مستقيما منتصبا كأنه قضيب بان، وعينين سوداوين فيهما سحر وفيهما دلال، وشعراً لا معقوصا ولا مظفوراً وإنما هو مدلّى كخيوط الليل، ووجهها تمتزج