هذا الكتاب من تأليف الأستاذ محمد يوسف موسى المدرس بكلية أصول الدين، وهو من سلسلة أعلام الإسلام التي تصدرها لجنة دائرة المعارف الإسلامية. ويقع الكتاب في ١١٧ صفحة من الحجم الصغير، ولكنه على صغر حجمه جيد في بابه، ولا غرو فالمؤلف مشتغل بهذا الفيلسوف من زمن، وينوي أن يضع فيه رسالة كبيرة، فهو ليس غريباً عن الموضوع. عرض أولا لعصر ابن رشد وأسرته، ثم إلى نشأته، ثم عمله في التوفيق بين الحكمة والشريعة، ثم عمله في نظرية المعرفة، ثم ابن رشد والغزالي، ثم انتهى إلى خاتمة المطاف، وإلى ابن رشد وأثره من بعده، وهل نجح في رسالته.
وأنت ترى أن صفحات الكتاب أضيق من هذه الموضوعات المتعددة. وقد كان المؤلف بارعاً في الإيجاز حتى يسوق جميع ما يريد أن يقول في هذا الثوب الضيق. غير أنه اضطر إلى التلميح عن بعض النظريات دون إشباع حسب ما يقتضيه المقام.
وفي الكتاب عرض جيد لحياة ابن رشد وعصره وتفصيل لمحنته ومناقشة أسبابها. وطريقة المؤلف في اقتباس النصوص وحبكها في مجرى الكلام، تدل فضلا عن الاطلاع الغزير، على امتلاك ناصية الموضوع.
وقد وفى الفصل الخاص بالتوفيق بين الحكمة والشريعة حقه إذ يستغرق ٢٧ صفحة، بينما نظرية المعرفة تناولها في خمس صفحات ونصف. وكنا نرغب الإطالة في هذا الموضوع الذي لم تسبق الكتابة فيه، ولا يزال غامضاً. وأخاف الأستاذ محمد يوسف موسى فيما يذهب إليه من أن ابن رش يرى في الاتصال أنه (وصول العقل الإنساني إلى الدرجة العليا من الكمال، تعني إلى الاتحاد، أو الاتصال بالعقل الفعال أو الله تعالى ذاته) ص ٦٣، ٦٤ ثم قال:(ولا بد من توفر ثلاثة أمور فيمن يسعد بهذه النعمة أي نعمة الوصول: قوة العقل الأصلية، وكمال العقل بالفكر، وعون وإلهام غير طبيعي من الله).