ها قد صح الآن مقدم الربيع، يا من لعلك تذكرينني الآن مثل ذاكري لك، فخلع على كل واد لوناً؛ وأقام عند كل شعب محراباً من محاريب الجمال؛ ونفخ في كل خلية روحاً؛ وأوحى إلى الطير بأغاريد الفجر الجديد والفصل الضاحك؛ فاستخف بذلك كله أهل الحي الذين خفوا يلتمسون آثار هذه المباهج، وطفقوا يستجيبون لذائذ هذه الحياة في موسم انتعاشها وانبعاثها وازدهارها. .
هاهي، يامن عليك القدر الصارم إلا أن تتناسيني، كل مفاتن هذه الطبيعة ومباهج هذا الربيع، خليقة أن تضيء النفس بأقياس الهناءة، وخليقة أن تصل القلب بأسباب السعادة. .
هاهي ذي كلها قد استحال عليها أن تجعل مني أحد أولئك السعداء. . . وأنت يا حبيبتي بعيدة عني. .!
في الجو، هنا، عصفور غرد فح، يروح ويغدو، فوق رأسي، وفوق الشجر. .
وهناك، عند أقصى الحديقة، تطل حمامة مطرقة برأسها الجميل، من بين السياج، وهي ترسل من حين إلى أخر هديل قلبها الصغير بحب فراخها، يتردد رقيقاً صافياً مع النسائم الندية. .
وهنالك، في الناحية المقابلة، تلك العرائش الخضر المذهبة، ذات الحواشي البيض، التي تعرفينها جيداً، والتي طالما انطلقتا عندها خفيفين نمرح على سجيتنا، في براءة الأطفال، وطهارة المحبين. .
إنها جميعاً ترد إلى ذهني ذكريات حبنا العتيد. وما كان أجملها واحفلها ذكريات!
وهي في الحق، إنما تحيط وحدتي بشيء من أنس وإشراق، وتجعلها أقل ايحاشاً وترويعاً - حين لا تكونين بقربي، أنت أيتها الحبيبة!
أجل، هي كذلك، ولكن الحب موهبة الطبيعة لأبناء الحياة، وهو بهذه الصفة حق طبيعي لكل مخلوق، وملك خالص لكل حي. .
ألم ترى - مرة - إلى زوجين من الطير يتباثان أشواقهما الغريرة، وإلى زوجين من الناس يتطارحان رغباتهما البريئة. . .؟ أم قد غاب عنك كيف يسعى كل حيوان، وكيف يحاول