للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[ظرف الفقهاء]

(مهداة إلى الأستاذ على الطنطاوي)

للأستاذ علي العماري

تحدث الأستاذ على الطنطاوي في مقالين سابقين نشرهما في مجلة الرسالة عن غزل الفقهاء، وقد أوحى بهما إليه جدل كان بينه وبين أحد المتزمتين الذي ينكرون على العالم أن يطرب ويهتز، ويرون أن من واجب العالم أن يترفع عن الشعر وعبثه. وقد أفاض الأستاذ الطنطاوي - كعادته - فذكر كثيرا من شعر الفقهاء في الغزل، ونشر صحائف طيبة من حيوات هؤلاء العلماء الفضلاء.

وقد رأيت أن لهؤلاء ناحية جديرة بأن يتأملها مثل هذا الرجل الذي يحرم طيبات الفكر على العلماء!

تلك هي ناحية (الظرف). فقد كان كثير من الفقهاء على جلالة أقدارهم، وسمو منازلهم، يهتزون للشعر، وتأخذهم الأريحية عند سماعه؛ وربما صدرت عنهم أشعار فكهة رائعة.

ولعل خير ما نهديه لمثل هذا الرجل هذه القصة:

كان القاسم بن سلام رحمه الله غمام أهل عصره في كل فن من العلم، وكانوا يعدونه أعلم من ابن حنبل والشافعي مع دين وورع، وقد جاءه رجل فسأله عن الرباب فقال هو الذي يتدلى دون السحاب، وأنشد لعبد الرحمن بن حسان:

كأن الرباب دوين السحاب ... نعام تعلق بالأرجل

فقال الرجل لم أرد هذا فقال: الرباب اسم امرأة وأنشد:

إن الذي قسم الملاحة بيننا ... وكسا وجوه الغانيات جمالا

وهب الملاحة للرباب وزادها ... في الوجه من بعد الملاحة خالا

فقال لم أرد هذا أيضا، فقال لعلك أردت قول الشاعر:

ربابة ربة البيت ... تصب الخل في الزيت

فقال هذا أردت. قال له القاسم من أين أنت؟ قال من البصرة قال كم أعطيت للملاح؟ قال: أربعة دراهم. قال: اذهب استرجع منه ما أعطيته وقل له: لم تحمل شيئا فعلام تأخذ الأجرة؟!

<<  <  ج:
ص:  >  >>