وليس هو عمر بن عبد العزيز الخلفية الأموي المشهور بعدله وتقواه، وإنما هو طفل مصري في الثانية من عمره، لا يقل عن الخليفة شهرة ولا منزلة في نفوس عارفيه. ولئن كان عمر الخليفة حقق للعرب المثل الأعلى للخلافة، فان عمر الطفل حقق لعارفيه المثل الأعلى للطفولة. فليست طفولته خفة وجمالا ومرحا وطهرا، وإنما هي إلى جانب هذا كله يشوبها القليل من الجد والتفكير، وغير القليل من التقوى والدين.
ولعل أهم ما يربط عمر الطفل بعمر الخليفة، غير الاسم، مظهر التقوى والدين. ومظهر الدين غريب عند أطفالنا المصريين اليوم، فقلما نجد طفلا يعرف من أمر دينه ما يجب أن يعرفه أو يؤمن به. أضف إلى هذا أن سن عمر لا تسمح له بالكلام الواضح ولا بالفهم والأفهام، ولكنها، وهنا موضع الدهشة، سمحت له بفهم لروح الدين وتقدير لها عجيبين. ولعلك تدهش كل الدهش إذ ترى عمر يسحب أي غطاء فيفرشه على الأرض، ويجلس القرفصاء لينزع ما يسميه (ألْبِبِسْ) أو ما نسميه نحن (الشبشب) ثم يرفع يديه إلى أذنيه ويتمتم بكلمات لا تفهمها مهما حاولت، ولكنه يتمتمها في حرارة وحمية غريبتين، ويوالي بعدها حركات الصلاة المعروفة من سجود وركوع. والغريب أنه يقوم بصلاته في حمية وحماسة، قلما تجدهما عند أي طفل في أي حال من حالاته، وقد تضطره الحمية أحياناً في السجود إلى ضبط رأسه ضبطاً مؤلماً يصيح بعده (بخ) بصوت فخم عال ملؤه الجد والخشوع. و (بخ) هذه عنده هي (الله أكبر) عندنا. يكفي أن تقول له صل يا عمر، ليسحب أقرب غطاء وينزع في سرعة حذاءه، ويبدأ الصلاة كأشد ما يمكن أن يكون حمية وحماسة. هو لا يعرف للصلاة وقتا، وإنما يصلي كلما ذكر أو ذكر. ولعلك تظنه بعد كل هذا مازحا أو غير مقدر قدسية العمل الذي يقوم به. كلا. فكفى أن تفلت منك ضحكة مهما يكن مبعثها ليكون نصيبك (زغرة) متوعدة، ثم لينالك بعد فراغه من الصلاة كل ما يمكن أن ينزله بك من عقاب. حاول ما شئت أن تخرجه من صلاته فلن تظفر بشيء، وإن استعملت معه القوة واضطرت طفولته الضعيفة أن تخضع لها، فهناك يكون لك الويل والثبور، هناك الضرب واللكم وشد الشعر، وكثير جداً العض والمؤلم القاسي.