وقف الملك وحوله حاشيته وأفراد شعبه يطلون على البحر من هذا العلو السامق، ونظر الملك وأجال طرفه بين الحضور كأنه يبحث عن شيء ثم قال:(من منكم أيها الفتيان النبلاء والفرسان الشجعان يقدر على الاندفاع في هذا البحر اللجي والهوة السحيقة؟ لقد رميت قدحاً من ذهب فابتلعته المياه في جوفها، فمن آنس قدرة في نفسه وحصل عليه فليحفظه فهو منحة له).
فما أتى الملك على آخر كلمته حتى ألقى من عالي الصخور المنحدرة المشرفة على البحر الهائج واللجج الهائلة، قدحاً من عسجد في قاع البحر وكرر قوله (من منكم يأنس في نفسه الإقدام على غوص هذه الأعماق؟)
واستولى على الحضور سكون رهيب كأنه صمت القبور، وما هي إلا هنيهة قصيرة حتى هب شاب من بين الجمع الحاشد تظهر فيه آثار الترف والنعم وقد جمع بين اللطف والإقدام، والحسن والجرأة، فتقدم في ثبات وعزم وحل منطقته وخلع رداءه وتجرد من كل شيء؛ فدهش القوم وبغت الرجال والنساء وأزداد عجب الفتيات وأعجبوا جميعاً به أيما إعجاب. وقف الشاب على حافة الهاوية يتأمل هذا الهوى البعيد، فسمع اللجج في أغوارها تقصف كأنها الرعد.
زمجر الموج وأرغى البحر وأزبد وغلى غليان الماء في المرجل وأرتفع الرزاز حتى صافح الوجوه، وتبعت الموجة موجة واللجة لجة، وكأن قوة هذا الجبار المهلك تتجدد ولا تنفد.
ثم سكن هذا الطغيان الجارف وخفت وطأة الموج المنحدر ولمح الناس وسط الزبد الأبيض فوهة سوداء لا قرار لها فاغرة فاها كالجحيم لا تلبث أن تزدرد كل ما يهوى فيها من الموج الصاخب.
وأعتمد الشاب على ربه وطلب منه العناية. . . وألقى بنفسه في هذه الفوهة المفتوحة، وسمع وهو يهوي صياح الفزع والرعب وغاب هذا الغواص الجريء وانطلق عليه فم