للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[خليل مردم بك وكتابه في الشاعر الفرزدق]

لأستاذ جليل

يقول الأستاذ: (وقد يداخل (الفرزدق) في كلامه ويعاظل في تراكيبه، ويقدم ويؤخر ويتجوز في استعمال الوحشي والغريب والإقواء، وما هو أشبه باللحن؛ وذلك لثقته بنفسه واعتماده على سليقته ولقساوة في طبعه. قال كردين: (سقط الفرزدق شيء يمتحن الرجال فيه عقولهم حتى يستخرجوه). سمعه ابن أبي إسحاق الحضرمي مرة ينشد:

وعض زمان يا ابن مروان لم يدع ... من المال إلا مسحتا أو مجلف

فقال له ابن أبي إسحاق: (على أي شيء ترفع أو مجلف؟ قال: على ما يسوءك وينوءك. . .)

والبيت (المجلف) من شواهد الكشاف في مكانين: (فشربوا منه إلا قليلاً منهم. وقرأ أبي والأعمش إلا قليل بالرفع، وهذا من ميلهم مع المعنى والإعراض عن اللفظ جانباً، وهو باب جليل من علم العربية؛ فلما كان معنى فشربوا منه في معنى فلم يطيعوه حمل عليه كأنه قيل فلم يطيعون إلا قليل منهم، ونحوه قول الفرزدق (لم يدع من المال إلا مسحت أو مجلف) كأنه قال: (لم يبق من المال إلا مسحت أو مجلف) وقال في سورة طه: (قرء (فيسحتكم) والسحت لغة أهل الحجاز، والإسحات لغة أهل نجد وبني تميم، ومنه قول الفرزدق (إلا مسحتاً أو مجلف) في بيت لا تزال الركب تصطك في تسوية إعرابه. . .)

وفي (الخصائص): (قولهم ودع الشيء يدع إذا سكن فاتدع متبوع متبع، وعليه أنشد بيت الفرزدق:

وعض زمان يا ابن مروان لم يدع ... من المال إلا مسحت أو مجلف

فمعنى لم يدع بكسر الدال لم يثبت، والعائد منها إليه محذوف للعلم بموضعه وتقديره لم يدع فيه، وهذا أمر ظاهر)

وأورد الأستاذ أمثلة مما أشار إليه كردين، وشغلت به الأئمة في القديم، وقد اجتزأنا نحن من تلك الدواهي بواحدة. . .

الفرزدق هو - كما قال الأستاذ - في (صحة اللغة وفصاحة الأسلوب) وقد رويت القول من قبل. وأشعار أبي فراس مبثوثة في كتب الأدب والتاريخ، وأبياته في المصنفات اللغوية

<<  <  ج:
ص:  >  >>