- إني لأقرأ لك منذ عشر سنوات، فما رأيتك أسففت إسفافك في هذه الأيام، وإني لأشك أأنت تكتب ما تكتبه، أم يجري به قلمك وأنت نائم، فتأخذه فتضع عليه اسمك؟ فماذا عراك أيها الصديق فأضاع بلاغتك ومحا آيتك؟
- قال: دعني يا فلان دعني. . . فإن سراج حياتي يخبو، وشمعتي تذوب؛ وما اخالني إلا ميتاً عما قريب، أو دائراً في الأسواق مجنوناً. . . إنني انتهيت. . . بعت رأسي وقلبي برغيف من الخير. . . . . . . .
- قلت: أربع عليك أيها الرجل وأخبرني ما بك، فلقد والله أرعبتني. . . . . . . . . .
- قال: وماذا بي إلا أني معلم. إني معلم في مدرسة ابتدائية. . نهاري نهار المجانين، وليلي ليل القتلى، فمتى أفكر، ومتى أكتب. . . . وأنا أروح العشية إلى بيتي مهدود الجسم، مصدوع الرأس، جاف الحلق، فلا أستطيع أن أنام حتى أقرأ مائة حماقة، حتى أصحح مائة كراسة، فأعمي عيني بقراءتها، والإشارة إلى خطئها، وبيان صوابها، وتقدير درجاتها، فإذا انتهيت من هذا كله - ولا يقرأ تلميذ من كل هذا شيئاً، ولا ينظر فيه - عمدت إلى دفتر تحضير الدروس، وهو الموت الأحمر، والبلاء الأزرق، الذي صبّ علينا هذا العام صباً، فكتبت فيه ماذا أنا فاعل غداً في الفصل، دقيقة دقيقة، ولحظة لحظة. . . وماذا أنا قائل من كلمة، أو مقرر من قاعدة، أو ضارب من مثل، حتى إذا بلغت آخر كلمة فيه، استنفدت آخر قطرة من ماء حياتي، فسقطت في مكاني قتيلاً، فحملت إلى السرير حملاً. . فنمت نوماً مضطرباً ملؤه الأحلام المزعجة، والصور المرعبة، فأحس كأن أمامي ركام الدفاتر التي سأصححها غدا، فلا أنجو منها حتى أبصر المفتش يتكلم من فوق المآذن، فلا يدع قاعدة من