عاشت علية بنت المهدي في أوج الدولة العباسية، ولدت في خلافة المنصور، وتقلبت في نعيم أبيها المهدي وشاهدت بغداد وهي أعظم مدينة في العالم: دار السلام، وعاصمة الإسلام. مقر الخلافة وكعبة الأدب، ودار العلم والحكمة، جنة الأرض، وعرة البلاد، ومجمع المحاسن والطيبات، ومدينة الظرائف واللطائف، فهي حاضرة الدنيا وما عداها بادية، وقد سأل الأمام الشافعي رجلاً: هل رأيت بغداد قال: لا. قال. ما رأيت الدنيا ولا الناس هذه هي بغداد التي كانت عاصمة الرشيد والتي مثل في قصورها وحدائقها وملاعبها حوادث ألف ليلة وليلة، التي كانت وما زالت مضرب الأمثال في العظمة والسعة والنظام، وفي سبيلها سفكت دماء، وثلت عروس، وانقرضت دول إثر دول. وهي صامدة تقاوم حدثان الدهر، وتضحك من فتنة آدم بها؛ فهي بحق (زوراء) بوجه كل عدو.
أما أمها: فهي مكنونة: من جواري المدينة المشهورات بالحسن والجمال والغناء والدلال والشعر والأدب ولها صوت رخيم، فأجتمع فيها جمال الخلق وجمال الصنعة وافتتن بها الناس، وبلغ أمرها المهدي، وكان يرغب بها ولكنه يخشى غضب أبيه المنصور المعروف بجده، فاشتراها سراً بمائة ألف درهم؛ ولما دخلت القصر غلبته على أمره وملكت قلبه فمال إليها دون بقية جواريه وفضلها حتى على (الخيزران) فكانت الخيزران تقول: (والله ما ملك امرأة أغلظ علي منها).
تولت أمها تربيتها بنفسها فحببت إليها الجمال منذ صغرها؛ فنشأت مطبوعة على حب الفنون الجميلة؛ أمرت بتعليمها الكتابة فأتقنتها؛ واختارت لها الكتب الأدبية فدرستها؛ وسلمتها إلى المؤدبين فأحسنوا تأديبها، وأحضرت لها الفقهاء والعلماء فأخذت عنهم، وكانت تريضها على قول الشعر منذ نعومة أظفارها فصارت من الشاعرات اللاتي يضرب المثل بشعرهن. كما كانت تطلعها على ألحان العرب وأصواتهم وتدربها على آلات الطرب. فكانت بلبل بني العباس وهزارهم.
ولما كمل شبابها تطلع أمراء البيت المالك إليها وكل منهم يتمنى أن يحظى بالفن والعلم