للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والجمال، ولكن أباها آثر بها (موسى ابن عيسى الهاشمي) وهو أحد أبطال بني العباس شجاعة وأدبا ودهاء. وتولى إمارات الولايات المهمة. كمصر؛ والعراق؛ والشام؛ واليمن.

ورثت علية من هذا الأمير أموالاً طائلة وعقارات في الولايات التي تقلدها فاتخذت لها قصراً فخماً يضاهي قصور الخلفاء في السعة والجمال، يقع هذا القصر على ضفة دجلة بالقرب من قصر زبيدة (دار القرار) وقصر الرشيد (دار الخلد) ولقصرها شرف مطلة على دجلة؛ وقد زينت شاطئه بما تحويه من النقوش المتقنة والتصاوير الجميلة؛ والألوان الزاهية؛ كما كان لقصرها شرف أخرى تطل على الميدان - ميدان دار الخلافة - والقصر يضم آلاف الجواري والخدم والحراس؛ وبلغ من أمر القصر أن اتخذه الخليفة المعتصم داراً له بعد وفاتها.

في الشرفات المطلة على النهر كانت تجلس علية؛ تصعد أمامها السُّمرِيَّات والحرَّاقات والزَبازِب إلى دار القرار أو تنحدر إلى دارالخلد مقر عاهل الإسلام أمير المؤمنين الرشيد أعظم خليفة عرفه الشرق والغرب. فيها القواد والأمراء والعلماء وأهل الفن بل يمر أمامها أهل بغداد على اختلاف طبقاتهم. وترى وفود الملوك والعواهل يتقدمون بذلة وخضوع حاملين هداياهم معرضين ولاءهم لأمير المؤمنين.

علية والرشيد:

كان الرشيد مشغوفا بأخته وقلما يصبر عنها، وإذا زارته فانه كان يجلسها معه على سرير الخلافة. وذلك لما يراه من عقلها وأدبها وظرفها؛ ورقة شعرها، وجمال غنائها؛ وحسن توقيعها، وكثيراً ما كان يزورها في قصرها ويطلب منها أن تقيم له الحفلات الغنائية ويقضي ليلة عندها يصغي إلى أصوات الحور العين؛ تردد في جو قصرها ما أبدعته قريحة من علية الشعر وما صاغته من الألحان

وفي إحدى ليالي الربيع وقد نشر البدر أشعته الفضية على بغداد وجناتها وساد المدينة الهدوء وأطفأت أنوار دار الخلافة وأمير المؤمنين على فراشه يتململ تململ السليم. يطلب النوم فلا يجده؛ وتوالت عليه الهواجس والأفكار فضاق صدره؛ بل ضاق به دار الخلد؛ فخرج إلى حدائقه الغناء يتنقل من محل إلى آخر لينفس غمه ويزيل همه. ولكن السرور لم يجد إلى قلبه سبيلاً؛ كأنه لم يشعر بما حوله من الأزهار والرياحين؛ وما يحف به من

<<  <  ج:
ص:  >  >>