كل عواطفي تتجه نحو اليهود، فقد توشجت بيني وبينهم أواصر المودة أيام إقامتي بجنوب أفريقيا، وصار لي بعضهم أصدقاء مدى العمر، فأتيح لي أن أعرف كثيراً عن هذا الاضطهاد الأبدي الذي يعانيه اليهود عن طريق هؤلاء الأصدقاء.
إنهم المنبوذون في المسيحية. ولقد أرى وجه الشبه يتقارب كثيراً بين المعاملة التي يعاملهم بها المسيحيون، والمعاملة التي يعامل بها الهندوس طائفة المنبوذين. فقد كان الدين هو الذريعة التي ارتكبت باسمها تلك المعاملات الهمجية التي تعانيها الطائفتان. فإذا وضعت تلك الصداقة جانباً، ونظرت إلى الأمر من ناحيته العامة وجدت عواطفي جميعها تتجه نحو اليهود
إن المبادئ السامية تقضي بان يعامل اليهود كغيرهم من خلق الله أينما ولدوا وحيثما نشأوا فاليهود الذين يولدون في فرنسا فرنسيون ولا شك، كما أن المسيحيين الذين يولدون في فرنسا فرنسيون. فإذا اتخذ اليهود فلسطين وطناً لهم، هل معنى ذلك أنهم يستمرئون فكرة إخراجهم مقهورين من ديارهم؟ أو أنهم يريدون أن يكون لهم وطنان يعيشون فيهما كيف يشاءون؟ إن تلك الصرخة في طلب الوطن القومي تعطي الألمان حجة براقة اللون لطرد اليهود
إن اضطهاد الألمان لليهود على أي وجه نظرنا إليه، يلوح لنا أنه منقطع النظير في تاريخ العالم. إن المظالم الغابرة لم تصل في يوم من الأيام إلى ذلك الجنون الذي اندفع هتلر إليه! وإنه ليندفع إليه بعامل ديني، إذ انه يدعو إلى دين جديد من الوطنية قوامه الطرد والمحاربة. فباسم الدين تعد هذه الأعمال المنافية للإنسانية، من الأعمال الإنسانية التي يجازى مرتكبوها في الدنيا والآخرة خير الجزاء
إذا كانت في الحياة حرب عادلة تقوم باسم الإنسانية، فالحرب ضد ألمانيا واجبة لمنعها من اضطهاد عنصر بحاله من بني الإنسان. ولكنني لا اعتقد في الحرب بحال من الأحوال، إن ألمانيا تلبس الباطل ثوب الحق، والهمجية ثوب الإنسانية. فهل يحتمل اليهود هذا الاضطهاد