زارت بنت المدينة يوماً شقيقها بنت الريف في قريتها الصغيرة، وجلستا إلى الموقد تستدفئان وتتحدثان. . فراحت بنت المدينة وكانت زوجة تاجر غيل تمجد حياة المدينة الزاخرة بالمباهج والزخرف وتتيه على أختها الفقيرة زوجة الفلاح المعدم، وتعرض بحياتها القذرة قفي الريف بين الخنازير والأبقار. وأصغت بنت الريف إلى شقيقتها الحضرية طويلاً ثم قالت قد تكون حياتك يا أختاه أفضل وأنعم من حياتنا نحن الفلاحين، وقد تحصلون في اليوم فوق ما تحتاجون، ولكن لا ننسى المثل القائل (إن الربح والخسارة توأمان)، فكثيراً ما يجد التاجر الغني نفسه بين عشية وضحاها فقيراً يستجدي اللقمة من عابر سبيل. . إن حياتكم أجمل وأرق ولكن حياتنا آمن وأهدأ. . صحيح إننا لا نملك كثيراً من متاع الدنيا إلا أننا نجد والحمد لله ما نقتات به دائماً. . قد يكون عملنا شاقاً مرهقاً إلا أنه شريف مضمون. . . أما أنتم يا أهل المدينة المرفهين فجوكم مليء بالمغريات ولا تأمنون على أزواجكن وزوجاتكم شر الغوايات، كالميسر والخمر والنساء والفاتنات. .
وكان باهوم زوج بنت الريف جالساً في ركن قريب فأعجبه قول زوجته وقال يحدث نفسه. . . حقاً أننا نحن معشر الفلاحين لا نجد لنا متسعاً من الوقت للتفكير في مثل هذه الأمور الفارغة لقد عشت عمري أكد وأكدح، ولولا ضيق رقعة الأرض التي املكها لكنت أسعد مخلوق، وما خشيت حتى الشيطان. .) وكان الشيطان قابعاً وراء الموقد، وسمع كل ما قيل، وسره زهو باهوم بنفسه وتحديه له. . فقرر أن يمنحه ما يطلبه من الأرض ويرى ما يكون. .
كان لباهوم رقعة أرض صغيرة تقع إلى جوار ضيعة كبيرة تمتلكها بارونة عجوز. . وكانت هذه البارونة صارمة قاسية لا ترحم من تعتدي ماشيته على أملاكها. فكرهها أهل القرية ومن جملتهم باهوم، إذ كثيراً ما كانت أبقاره وماشيته تعتدي على أرضها فيضطر