استبشرنا خيراً حينما أهاب بالعلماء الأستاذ الكبير الشيخ محمود شلتوت ليدعوهم إلى العناية بكتابهم فيعملوا على تخليص تفسيره مما شابه من الإسرائيليات التي شوهت جماله وأذهبت نوره، وقلنا لعل هذا العمل الطيب يكون مقدمة لأن يجعل شيوخ الأزهر هذا الكتاب الكريم إمامهم في أخذ العقائد والعبادات والأحكام منه ويسيروا بنوره في هذه الحياة حتى يكونوا هداة بحق، ومن ثم يتبين لأهل الأرض جميعاً أن هذا الدين خير الأديان وأنه صالح لكل زمان ومكان. ومنذ أيام كنت أتحدث مع الأستاذ الكبير صاحب الرسالة في هذا الأمر الذي دعا إليه الأستاذ شلتوت وكان مما قلته له، أن تخليص تفسير القرآن من الإسرائيليات يجب أن يسبقه أو يكون معه تطهير الأحاديث التي هي (السنن القولية) مما أنبث فيها من الموضوعات، إذ ما أصيب الإسلام بشيء أشد وأنكى مما أصيب به في ناحية هذه الأحاديث الموضوعة. وما كانت الإسرائيليات التي تدسست إلى التفسير إلا جزءا منها؛ ذلك بأن أعداء الإسلام وأصحاب الأهواء لما رأوا أنه لا يمكنهم أن يضربوا المسلمين من قبل كتابهم لأنه جاءهم من طريق التواتر، ونسخة منتشرة بين أرجاء الأرض، وكثير من المسلمين يحفظونه عن ظهور قلوبهم فلا يستطيعون بذلك أن يزيدوا فيه حرفاً أو يبدلوا منه كلمة، عمدوا إلى الحدث عن الرسول صلوات الله عليه فلعبت فيه أيديهم ونالوا به مآربهم، وغر المسلمين الأولين أن أولئك الذين يبطنون الكفر والحقد يرتدون لباس الإسلام ويعملون بأحكامه، فقبلوا منهم ما روَوا وصدقوهم فيما حدثوا. وناهيك بما فعل كعب الأحبار ووهب بن منبه وغيرهما. ولقد كان للمسلمين مما وضعه أولئك الأعداء في الأحاديث مشكلات كثيرة في الدين والحس والعلم لم نخلص منها حتى اليوم. فإذا أردنا الإصلاح حقاً كان علينا أن نبدأ بالحديث فننخل كتبه ولا نُبِقي فيها غير الصحيح مما يخالف متواتر النقل وصريح العقل وما أثبته العلم وما شهد به الحسن؛ وإننا إن نفعل ذلك لا نكون قد خرجنا عن قواعد رجال الحديث أنفسهم فقد قالوا: إن من جملة دلائل الوضع أن يكون مخالفاً للعقل بحيث لا يقبل التأويل، ويلتحق به ما يدفعه الحس والمشاهدة أو يكون منافياً لدلالة الكتاب القطعية أو السنة المتواثرة أو الإجماع القطعي.