يطلع علينا رومان رولان بين وقت وآخر من أعماق عزلته في سويسرا بعيداً عن وطنه فرنسا بكتاب أو مقال جديد فيشعر من قرأ هذا الأديب العظيم بحنين زائد إلى قراءة هذا الكتاب أو هذا المقال. ذلك أن رومان رولان كاتب عالمي الفكر والعاطفة لا يكتب لأمة معينة ولا لشعب خاص، بل يكتب للعالم أجمع ناظراً إليه كأسرة إنسانية واحدة لا تمزقها حدود، ولا تفرقها لهجات، ولا تبذر بذور الحقد والضغينة في قلوب أعضائها فكرة الأجناس. لذا كان رومان رولان من أحب الكتاب المعاصرين إلى كل قلب رحيم ونفس واسعة الآفاق. وكتابه عن (مهاتما غاندي) يقربه إلى قلوبنا نحن الشرقيين لأنه وقف فيه موقف المدافع القوي عن الحركة الهندية وشعبها المجيد المهضوم، كاشفاً القناع عن فضائح الغرب وآثامه في قتل أمة عظيمة بلغت مئات الملايين والوقوف في وجهها بالالتجاء إلى البطش الخسيس حين تنهض مطالبة بحقها في الحياة
ولا عجب أن يبدو ذلك من رجل مثل رومان رولان لم تكد تعلن الحرب الكبرى - وكان وقتذاك في جنيف بسويسرا - حتى أخذ يكتب سلسلة مقالات ملتهبة بالعاطفة الإنسانية، مطالباً فيها بالمبادرة بحقن الدماء وعودة السلام وإنقاذ أرواح الشباب البريء الذي يلعب بعقله خطباء الشوارع مستغلين حرارة قلبه وسمو نفسه في سبيل جشع أصحاب مصانع السلاح ودجل رجال الحكومات. ولقد آثر رومان رولان عداء الرجعيين من أبناء وطنه والصحافة المادية المغرضة التي أثارت عليه الرأي العام الساذج في كل أمة مهما بلغ رقيها، آثر ذلك عن أن يتنازل عن حريته في الفكر والقول، عن إنسانيته التي هي ثروته الكبرى
ولد رومان رولان في بلدة كلاميسي في اليوم التاسع والعشرين من شهر يناير عام ١٨٦٦ من أسرة ريفية برجوازية عريقة القدم. وتعلم أولاً في البلدة التي ولد بها. ثم أنتقل إلى