فالمنشئون من أي طبقة كانوا لا يعتمدون في معظم مؤلفاتهم على غير الحكاية والرواية، فالفن القصصي هو السائد. وأكثر الأدب بلغوا القمة في إخلاصهم لهذا الفن. ولا بدع، فالرواية محك الأدب. المنشئ البليغ يظهر فيها، والكاتب الركيك السمج يفضح نفسه إذا توكأ عليها.
أكابر الأدب في العالم لجئوا إلى القصة يذيبون فيها بلاغتهم وقوة بيانهم. فما أحجم عنها (فولتير) ولا (جان جاك روسو) ولا (لامارتين) ولا (ألفرد ده موسيه) ولا (فكتور هوجو) ولا (فرنسوا كوبيه) ولا (تولستوي) ولا (أد جار والاس) ولا (كونان دويل)، فكلهم مال إلى القصة يعالجها.
وإذا لم تكن رواية (غرازبيلا) أو رواية (رافائيل) أسمى من شعر لامارتين فهما لا تقلان سمواً عن هذا الشعر. وإذا لم تكن رواية (البائسون) لفكتور هوجو أرفع من منظومة فلقد عادلت هذا المنظوم، ونفحت الشاعر بشهرة فوق شهرته، وزادت في تخليده، وحملت عشاق الأدب الروائي على التحدث عنها في العالم أجمع. فإن شهرة (البائسون) شهرة عالمية لا يجهلها ناد أدبي. وما يقال فيها يقال في (غرازبيلا) و (رافائيل) للامارتين، وفي اعترافات جان جاك روسو. أليست اعترافات جان جاك روسو حكاية من الحكايات وفيها يحدث الرجل عن نفسه؟. . .
نعم لقد تربع جان جاك روسو في (عقده الاجتماعي) في ذروة الفلسفة، على أن (اعترافاته) رفعت من مقامه كأديب، وباتت خالدة كمؤلفه الفلسفي، فمن شاء الوقوف على حياة الرجل فليس له إلا أن يقلب (الاعترافات) فيدرك من هو جان جاك روسو.
و (أناتول فرانس) استاذ الأدب في مطلع القرن العشرين مدين بشهرته لروايته، ومثله بلزاك، وأميل زولا، وموريس بارس، ومارسيل بريفو، وهنري بوردو، ورينه بازان، وبول بورجيه، فإن اعظم أدباء فرنسا لا تقوم شهرتهم على سوى الروايات التي أنشأوها، ومثلهم أدباء إنكلترا وروسيا. فالقصة إذا أساس الأدب العالمي.