وأما مآخذ المقدمات والبراهين التي بنى عليها مؤلف الكتاب (الحكم) الذي ذكرناه آنفاً، فهي كثيرة ومتنوعة؛ سأكتفي بذكر ثلاثة منها، لإعطاء فكرة عامة عنها:
١ - عندما يسأل المؤلف:(أمصر من الشرق أم من الغرب؟) يوضح قصده من هذا السؤال بقوله: (أنا لا أريد بالطبع الشرق الجغرافي والغرب الجغرافي، وإنما أريد الشرق الثقافي والغرب الثقافي) ثم يعقب قوله هذا بالعبارات التالية:
(فقد يظهر أن في الأرض نوعين من الثقافة يختلفان أشد الاختلاف، ويتصل بينهما صراع بغيض، ولا يلقى كل منهما صاحبه إلا محارباً أو متهيئاً للحرب: أحد هذين النوعين هذا الذي نجده في أوروبا منذ العصور القديمة، والآخر هذا الذي نجده في أقصى الشرق منذ العصور القديمة أيضاً). . . (ص: ٧)
يصعب عليَّ جداً أن أوافق المؤلف على ما جاء في عباراته هذه: لا أدري ما هي الثقافة التي كانت موجودة في أوربا منذ القرون القديمة؟ وما هو الصراع البغيض الذي اتصل بين هذه الثقافة وثقافة الشرق الأقصى المخالفة لها؟ ومتى وكيف حدث هذا الصراع، وبأي شكل انتهى. ما هي الحروب التي حدثت بين هاتين الثقافتين، كلما التقتا؟ ما هي تواريخ التقاء هاتين الثقافتين المتخاصمتين؟ وما هي تفاصيل الحروب التي نشبت بينهما كلما حدث هذا الالتقاء؟
إن كل ما أعرفه عن التاريخ بوجه عام، وتاريخ الحضارة، وتاريخ الفلسفة وتاريخ العلوم بوجه خاص. . . لا يساعدني (مع الأسف الشديد) على إعطاء أجوبة مثبتة على هذه الأسئلة. . . وبعكس ذلك، كل ما أعرفه في هذا المضمار، يحملني على القول بخلاف ذلك تماماً. . . كل ما أعرفه في هذا المضمار يحملني على القول بأن الصراع الذي حدث بين