للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

قصة أم

للكاتب الدانمركي (أندرسن)

(عالج أندرسن القصة الرمزية فبرع بها إلى حد بعيد. وقد

لاقت أقاصيصه ومؤلفاته أنصاراً ومعجبين لا يكاد يحصيهم

العدد، وترجمت مؤلفاته إلى كثير من اللغات، فتناقلتها الأيدي

وانكب عليها الأدباء والمتأدبون يقرأونها ويدرسونها، وما

يزدادون - على كر الأيام ومر الليالي - إلا إعجاباً وافتتاناً.

و (قصة أم) من أحسن أقاصيصه وأكثرها روعة وجمالاً؛ تصور عاطفة الأم المتوقدة، وحنانها المشبوب، وحبها الذي لا يدانيه حب.)

كانت الأم جالسة إلى جانب ابنها الطفل متجهمة الوجه مقطبة الأسارير، يبدو على محياها الحزن بأجلى معانيه وأوضح صوره لقد كانت تهاب الردى أن يمد إليه يمينه فينتزعه من بين أحضانها. أما الطفل الصغير، فقد كان شديد الشحوب كثير الاصفرار، وعيناه الصغيرتان كانتا مغلقتين بهدوء ودعة، كان يتنفس ولكن بجهد وعناء؛ وقد يتنفس ملء رئتيه ويبعث مع أنفاسه أصواتاً غريبة، حتى ليخال الناظر إليه أنه ينتحب بحسرة وألم. غير أن مرأى الأم الحزينة كان يدعو للشفقة والرحمة أكثر مما يدعو لذلك منظر الطفل المحتضر ها هو الباب يطرق. . . ثم يدخل منه رجل في خريف حياته يرتدي معطفاً من جلد الفرس الكثير الدفء، وحق له أن يرتدي مثل هذا المعطف؛ فإن الفصل فصل شتاء، والبرد برد قارس. وفي خارج المنزل كانت الثلوج تجلل كل شيء، والجليد يحجب عن الأنظار كل موطئ، والرياح الهوج تزفر وتئن، حتى لكأنها توشك أن تمزق الوجوه.

كان الزائر المسكين يرتعش من البرد ويرتجف، وبما أن الطفل قد أغمض جفنيه ليغفى بضع دقائق، فقد ارتأت الأم أن ضع للعجوز إبريقاً من الجعة صغيراً ليدفئ به جسمه، ويطرد البرد من كيانه؛ فلما قامت الأم إلى ذلك دنا العجوز من سرير الطفل وأخذ يهزه

<<  <  ج:
ص:  >  >>