أبو سليمان محمد بن طاهر بن بهرام السجستاني المنطقي شخصية من الشخصيات القوية الفذّة التي ظهرت في عالم بغداد في القرن الرابع للهجرة، فأثرت في مجتمعات عاصمة العباسيين العلمية وأنديتها الأدبية تأثيراً يشابه تأثير زميله في المهنة الأديب الفرنسي الفيلسوف (فولتير) في باريس عاصمة الفرنسيين. كان إذا تكلم أقنع، وإذا فاه أسمع، وإذا نطق أسكت، وإذا بحث في موضوع من الموضوعات حلله تحليلاً علمياً منطقياً، فلا يترك لأحد في الموضوع شبهة أو شكاً. وكيف لا يكون كذلك وسلاحه المنطق وهو سلاح اعتبر في عهد العباسيين من أمضى الأسلحة وأقساها، وهو رئيس مناطقة بغداد أيضاً، وزعيم كبير من زعمائهم لا ينازعه في ذلك منازع.
كان للمناطقة في بغداد في القرن الرابع للهجرة دولة ومقام. كانوا لسن الأندية وخطباء المجالس، وكانوا فقهاء القوم وأطباء المجتمع. كانوا كل شيء وبحثوا في كل شيء، ولذلك ميزهم الجمهور عن جماعة الفلاسفة الذين كانوا أكثر اتزاناً في باب العلم وأكثر من المناطقة في الكلام تحفظاً. وقد أطلق على كل واحد منهم لقب (المنطقي) ليميزّوهم بذلك عن الفلاسفة والمتكلمين. وكان عماد أسلحتهم المنطق: منطق اليونان، منطق أرسطو، وفورفوريوس صاحب كتاب (الأيساغوجي) الشهير.
وكان من زعماء الجماعة في القرن الرابع للهجرة صاحبنا (أبو سليمان السجستاني) الذي اشتهر بنبوغه في المنطق، على الأخص حتى عرف به، وحتى لقّب (بأبي سليمان المنطقي). وكان له منتدى يرتاده كثير من طلاب العلم وروّاد المجالس الأدبية من مختلف أنحاء الدنيا. قصده محمد بن عبدون الجبلي من الأندلس، وهو أحد الذين ابتلاهم الله بحب الفلسفة والمنطق ولاقي في سبيل غرامه العلمي ألواناً من القسوة والعذاب. وقصده كثير من أبناء سجستان وتركستان وبلاد الشرق حتى كان منزله مثابةً لأهل العلوم القديمة. وله أخبار وحكايات وأسئلة وأجوبة في هذا الشأن على الرغم من عور كان به، ووضح كان يمنعه من ارتياد منازل الوزراء وكبار رجال الدولة حتى قال في ذلك الشاعر البديهي الأبيات الشهيرة التالية: