للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[النهضات القومية العامة في أوربا وفي الشرق]

للدكتور عبد الرزاق السنهوري

عميد كلية الحقوق ببغداد

تمهيد:

دعتني لجنة الثقافة بدار المعلمين لإلقاء محاضرات عامة، فترددت في اختيار موضوع هذه المحاضرات، ذلك أني رجل أشتغل بالقانون، والناس لا يرحبون كثيراً لا بالقانون ولا برجال القانون، وكيف يستسيغ الناس القانون، وهو جاف لا طلاوة فيه، أو ترحب برجال القانون، وهم رجال صناعتهم الخوض في المنازعات، فإن لم توجد خلقوها خلقا؟ هذه هي سمعة رجال القانون عند الجمهور، ولا أحاول أن أدافع عنهم، وإن كنت منهم، فإني أخشى أن ينازعوني حق النيابة عنهم والتحدث باسمهم. لذلك آثرت أن أتجرد الليلة عن هذه الصفة، وأن أتقدم إليكم بموضوع لا شأن له بالقانون، واخترت أن يكون موضوعي عن النهضات القومية في أوربا وفي الشرق

ولست أزعم أنني توفرت على دراسة موضوعي دراسة دقيقة، فإن الدراسة الحق لهذا الموضوع تقتضي الخوض في فلسفة التاريخ والاجتماع، مما أعفيكم منه، كما أعفيكم من سماع الأحاديث القانونية الجافة. لذلك سترونني هذه الليلة أمس موضوعي مساً خفيفاً، في رفق وهوادة، محاذرا أن أثقل عليكم أو أن أثقل على نفسي، راجياً العذر إذا قصرت في التعمق، فإن الغرض الأول الذي توخيته من هذه المحاضرات، ليس هو الغرض العلمي. بل هي الرغبة في استخلاص بعض الدروس للشعوب الشرقية في نهضاتها الحديثة، في ضوء التجارب التي مرت بها الأمم الغربية

ومادمت سأتكلم في النهضات القومية، ومادامت النهضة تقوم على روابط، فإني أبدأ بتحديد معنى الرابطة، تمهيداً للكلام في النهضات القومية

الرابطة وحدة تجمع طائفة من الناس، وتقرب ما بينهم، وتميزهم من الطوائف الأخرى، فالرابطة إذن لها وجهان: وجه إيجابي، هو ذلك التقريب، وكلما توثقت أواصره كان في ذلك الخير كله. ووجه سلبي، هو ذلك التنافر والتباعد ما بين طائفة وأخرى، وكلما أغرق

<<  <  ج:
ص:  >  >>