للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من برجنا العاجي]

إني من الذين يعتقدون أن في مصر اليوم نهضة ملحوظة في الأدب والفن، وأن الأدباء والقراء يزدادون يوماً بعد يوم. على أن الذي يسترعي الالتفات ويدعو إلى القلق هو أن نتاج الذهن لم يبلغ بعد في قيمته المادية وأثره الاجتماعي المستوى المطلوب. لماذا؟ لأن هنالك عنصراً آخر في هذا الشأن ما زال مفقوداً. إن قوة الأدب والفن في أمة لا ترتكز فقط على طائفتي الأدباء والقراء. هنالك طائفة ثالثة عليها يقع قسط كبير من عبء العمل ولها ينسب بعض الفضل في إذاعة نتاج الذهن وإيصاله إلى متناول كل يد، وإحداث الضجيج حوله، والإعلان عن خطره. أولئك هم الوسطاء والتجار والناشرون. ففي فرنسا مثلاً ما يكاد يظهر كتاب جديد في باريس اليوم حتى تجده في صباح الغد معروضاً في أصغر قرية من قرى الريف الفرنسي. ووسائلهم في ذلك بسيطة أوجه إليها نظر تجار كتبنا الكسالى المتواكلين. إنهم يعلمون أن الكتاب لا يطلب عادة إلا في المحطة عند السفر، إذ هو خير أنيس في وحدة القطار. فتراهم قد جعلوا في كل محطة صغيرة أو كبيرة عربة يد صغيرة كتلك التي توضع عليها عندنا (البسطة) والفطائر والمأكولات. يعرضون عليها كل مستحدث من الكتب، ويعهدون بها إلى صبي يمر بها على الرصيف أمام كل قطار مار. هنا في مصر توجد فكرة عرض الكتب والمجلات في المحطات، ولكن الذي يؤسف له حقاً هو أن مصلحة السكة الحديدية المصرية قد منحت هذا الامتياز لرجل رومي لا يعرض غير الكتب والصحف الإفرنجية؛ لأن هذه المصلحة لا تنظر إلا إلى راحة المسافر الأجنبي والسائح الافرنجي؛ أما نشر ثقافتنا في أنحاء بلادنا على يدها فهو مشروع لم تفكر بعد فيه.

لذلك سيظل الأدب والفكر وكل ما يتعلق بالتثقيف الذهني والروحي في

بلدنا محصوراً في محيط محدود.

توفيق الحكيم

أبو تمام شيخ البيان

للأستاذ عبد الرحمن شكري

(تتمة ما نشر في العدد الماضي)

<<  <  ج:
ص:  >  >>