كان تروتسكي أول ضحايا (استالين)، وفي مقدمة الذين اضطهدتهم الشيوعية الروسية بعد وفاة زعيمها لينين، مع أن تروتسكي أدى للثورة أجل الخدم. وليس لنا أن نتساءل ماذا سيكون موقف السوفيت ولا مستقبل النظام الشيوعي لو بقى تروتسكي حيا يرزق، أو لو قدر له أن يحتل مركز الزعامة، كما أنه ليس لي ولا لغيري أن يصدر حكما في صالحه أو ضده، وإنما أكتفي بأن أنظر إليه كرجل اضطهد ونفى، وتحمل أشد أساليب الضغط على حريته، وأبعد من محيط العمل السياسي والثوري في بلد يدعي أنه أقام الثورة الكبرى ضد الرأسمالية، وحطم القيود والأغلال، لكي يهب السعادة والرفاهية والعمل الصالح لأكبر عدد ممكن من سكناه: فإذا به يضطهد رجلا كان من أشد أنصار هذا النظام القائم الآن في السوفيت: خدمه كثوري وكاتب وخطيب ومؤلف، ثم كانت نهايته الملاحقة والتفنن في تعذيبه وهو في غربته، ثم قتله بصورة لا ترضي الإنسانية ولا يسلم بها العقل. فأنا إذا كتبت عنه أشيد به كرجل مثقف لقي من أنصار النظام الذي أقامه غير ما يستحق.
بين (بولتافا) و (كيرسون) نشأ ليفي دافيد وفتش برونشتاين، هناك حيث المروج الخضراء والغابات، وفي السهول التي يطلق عليها أسم (كورجان) والتي تحفظ أسم (نوجاي) التتري، أو نوجايسكايا بالروسي؛ هناك رأى الطفل اليهودي الذي حمل أسم (تروتسكي) النور، إذ ولد في قرية يهودية تقع بجوار (كيرسون) في ١٦ أكتوبر سنة ١٨٧٩، فتروتسكي أسم لا علاقة له به وائما غلب عليه، ويدل أسم والده على تأثره بالجرمانية ولو أن يهود هذه المنطقة يغلب عليهم أنهم من سلالة (الخرز) فهم أقرب ما يكون إلى الآسيويين أو إلى الشعوب الطورانية منهم إلى الشعوب السامية، وإن كنت أعتقد أن تقاطيع تروتسكي تدل على انحداره من أصل إسرائيلي صميم.
ويقول تروتسكي في ترجمة حياته إن والده ينحدر من أسرة يهودية، كانت تقطن قرية بجوار (بولتافا) في اوكرانيا، - وهذه المدينة هي التي نسب إليها في التاريخ القائد العثماني الشهير بالطجي باشا، وصحته بولتاجي باشا، الذي أسر بطرس الأكبر ثم فك حصاره. وقد