وفقت دار الآثار المصرية أخيراً للحصول عل نسخة مصورة من أثر كنسي هام له قيمته في تاريخ مصر الإسلامية، هو مجموعة سير بطاركة الكنيسة القبطية منذ نشأتها حتى منتصف القرن السابع الهجري. وقد كان للمجتمع القبطي دائماً شأن في تاريخ مصر الإسلامية، وكان للكنيسة القبطية دائماً علائقها الرسمية مع الحكومات الإسلامية، ومع ذلك فإن الرواية الإسلامية لم تفسح مجالاً كبيراً لبحث هذه العلائق وتمحيصها، ولم تعن بالأخص بأن تشرح لنا وجهة النظر الكنسية في مختلف العصور شرحاً وافياً، ولم تفطن دائماً إلى الاستفادة من الآثار والمصادر النصرانية في تفهم أحوال المجتمع النصراني وزعامته الروحية.
ومن ثم ٍكانت أهمية الآثار النصرانية التي تعنى بعصور من تواريخ الأمم الإسلامية، ففي هذه الآثار نستطيع أن نفهم بوضوح موقف الكنيسة وموقف أوليائها حسبما يصوره لنا كتابها ودعاتها، ونستطيع بمراجعة أقوالهم وتعليقاتهم أن نقف على كثير من الحقائق التي لم تعن الرواية الإسلامية بشرحها واستيعابها، وكتاب سير البطاركة الذي أشرنا إليه من تلك الآثار التي تلقي ضوءاً على موقف الكنيسة القبطية، وموقف الشعب القبطي وأحواله في مصر خلال العصور الوسطى، وهي ناحية لها بلا ريب قيمتها وأهميتها في تاريخنا القومي، وتنقسم النسخة المصورة التي حصلت عليها دار الكتب من الأثر الذي أشرنا إليه والتي نقلتها عن مخطوط باريس إلى قسمين: أولهما كتاب سير الآباء البطاركة الذي وضعه الأنبا سويرس بن المقفع أسقف الأشمونين في عهد المعز لدين الله الفاطمي في تاريخ بطاركة الإسكندرية، وهذا الأثر معروف ومتداول لأنه طبع منذ أكثر من ثلاثين عاما بعناية الآباء اليسوعيين، وقد عرفته الرواية الإسلامية منذ عصور وانتفعت به أحيانا فيما نقلته من أنباء الكنيسة والبطاركة. وقد كان الأسقف سويرس من أكابر الأحبار والمفكرين أيام الدولة الأخشيدية وأيام المعز لدين الله، وكان أسقفا لمدينة الأشمونين التي كانت من مدائن الصعيد الزاهرة يومئذ، وتشيد الرواية الكنسية بعلمه وأدبه ومكانته الروحية