نشرت مجلة الجمعية الصحية المصرية في عدد من أعدادها الأخيرة مقالاً قيماً للدكتور فريد بك حلمي المفتش بوزارة الصحة عن نظام التفتيش على المأكولات والاشتراطات الصحية في العهد الفاطمي معتمداً في بحثه على كتاب (معالم القربة في أحكام الحسبة) لمؤلفه محمد بن أحمد القرشي المعروف بابن الأخن، أثبت فيه أن المحتسب كان يقوم في هذا العهد بوظيفة مفتش مأكولات ومعاون صحة ومفتش موازين ومفتش بيطري، وبالجملة يعتبر من رجال الضبطية القضائية؛ وكانت الاشتراطات التي يفرضها المحتسب على المحلات لا تقل دقة عن اشتراطات وزارة الصحة اليوم إن لم تفقها، وللتدليل على ذلك نذكر بعض ما يخص الجزارين قال:
(لا يجر الجزار شاة برجلها جراً عنيفاً، ولا يذبح بسكين كالة لأن في ذلك تعذيب للحيوان، ولا يشرع في السلخ بعد الذبح حتى تبرد الشاة وتخرج منها الروح. وينهي الأبخر عن النفخ في الشاة عند السلخ لأن نكهته تغير اللحم وتزفره، ويمنع المحتسب القصابون من الذبح على أبواب دكاكينهم فإنهم يلوثون الطريق بالدم والروث، وهذا منكر يجب المنع منه، وأن يفردوا لحوم المعز عن لحوم الضأن، وينقطوا لحم المعز بالزعفران ليتميز عن غيره وتكون أذناب المعز معلقة على لحومها إلى آخر البيع ولا يخلط لحم الذكر بالأنثى)
هذا جزء بسيط مما يقوم به المحتسب، ومثل ذلك كان يفرض على كافة الحرف والصناعات.
وكان المحتسب يدخل في صميم الصناعة بشكل يعجب به أبن القرن العشرين لمعرفته بطرق الغش التي تخفى على الكثيرين، والتي لا تمسها شروط وزارة الصحة إلا عن بعد. ومن شروط الحسبة والمحتسب أن يكون مواظباً على سنن رسول الله (صلعم)، وأن يكون عفيفاً عن أموال الناس، ووظيفته أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وأن يقصد بقوله وفعله وجه الله تعالى وابتغاء مرضاته الخ.