كان كاتب الخاصة، لأنه لم يكن كاتب العامة وأشباه العامة وهو لم يكن كاتب العامة وأشباههم، لأن هؤلاء يطلبون السهولة في التعبير والتفكير، وليس هو بسهل في تعبيره وتفكيره، بل كان لا يخلو من الغموض والتعقيد، ولا يهبط في أسلوبه عن مرتبة الجزالة والإتقان.
والعامة وأشباههم ينساقون لشيء من الرعونة والهوج في بدعة من البدع أو دعوه من الدعوات، وليس هو بصاحب رعونة أو هوج ولا بصاحب بدعة تصدع الأسماع أو دعوة تخلب العقول وتهيج الخواطر، بل كان أكثر ما يكون موفور الجد والرصانة، مكبوح العنان.
والعامة وأشباههم ينقسمون بين المعتركات والميادين، وليس هو من رواد المعتركات والميادين، بل كان كريماً على نفسه وعلى صحبه مؤثراً لعزلة الفكر وعزلة المقام.
ولا أحسب أن نصيراً من غلاة أنصاره يدعى له مزية الخصب والإشراق في نتاجه، ولكني كذلك لا أحسب أن مخالفاً من مخالفيه ينكر عليه مزية المتانة والسداد في جملة آثاره من الشعر ونثر ومن قصة ومقال. فهو متين شديد رصين، وإن لم يكن باللامع ولا بالمخصب أو المرتفع في الآفاق.
ذلك بول فاليري فقيد الأدب الفرنسي في أواخر هذا العام، بعد أن فقد في أوائله رصيفه رومان رولان.
والخاصة التي أعنيها هنا هي الخاصة الاجتماعية، وليست بالخاصة الفكرية أو الفنية.
وشأن هذه الخاصة الاجتماعية في فرنسا ليس بالقليل، فهي حتى اليوم صاحبة الكلمة التي لا تجهل في نصيب القادة العسكريين والقادة الفكريين، وفي الترشيح لرئاسة الجمهورية وللمجامع العلمية والأدبية، وهي بقية من بقايا النبلاء على عهد الإمبراطورية قد تنزوي عن الأنظار، وقد تغض الصوت حيناً بين جلبة السواد وصيحة المفرقين في التجديد، ولكنها رابضة أبداً في مكمنها للوثوب إذا حانت لها فرصة الوثوب، ولعل وثبة بيتان باسم المحافظة على القديم لم تكن إلا رجعة من رجعات هؤلاء الخاصة الاجتماعيين في عاصمة